حنان عبد القادر..تكتب..تِقْنِيَّة اَلتَّعَلُّم اَلنَّقَّال بَين مَا هُوَ عِلمي وأخلاقي
يَشهد العالم تحديات عَديدة فرضت نفسها على طبيعة الحياة فيها، وَأُسْلُوب عَملها وعمل مؤسساتها اَلْمُخْتَلِفَة، من أبرز هذه التحديات ما تشهده تلك اَلْمُجْتَمَعَات من تقدم في تقنيات المعلوماتية والاتصالات الحديثة، والتي أسهمت في تغيير طَبيعة الحياة وشكل المؤسسات ومن بينها المؤسسات التعليمية على نحو جذري. وَالْمُتَتَبِّع لأوضاع المؤسسات التعليمية عَبر العصور اَلْمُخْتَلِفَة يُسَلِّم بأن التعليم لم يكن في أي عصر من العصور أو حقبة من الزمن، بمنأى عن الظروف اَلْمُجْتَمَعِيَّة المحيطة والقِيم والعَادات، فهو دائماً يتأثر بكل ما يدور في المجتمع من أحداث وتغيرات، وهذه المتغيرات أدت إلى انتشار المعرفة الإلكترونية بين طلاب المدارس والجامعات وظهور أشكال جديدة من نظم واستراتيجيات التعليم والتعلم، ففي الماضي اُسْتُحْدِثَتْ أدوات التعليم والتعلم اَلْمُعْتَمَدَة على الحَاسوب بِشكل رئيسي وعلي أساليب التفاعل اَلْمُخْتَلِفَة معه مستفيدة من الأقراص المضغوطة والشبكات المحلية.
وخِلال القرن الحالي تَطور مفهوم التعليم الإلكتروني وتميزت أدواته باستعمال الإنترنت، وَمُنْذُ سنوات ماضية وعلي وجه التحديد في بداية القرن الحادي والعشرين تم استخدام مصطلح جديد في مجال التعليم والتعلم أطلق عليه باللغة الإنجليزية Mobile Learning وظهر مفهوم جديد هو أنظمة التعلم النقالة، وظهر معه العديد من الأبحاث والدراسات التي ناقشت الأثر المعرفي والقيمة التي تُقَدِّمهَا التقنيات اَلْمُتَنَقِّلَة لِطُرُق التدريس من جِهة،ومن جهة أُخْرَى فقد اِنْصَبَّتْ القضايا المطروحة على الاهتمام حَول كَيف يُنَمِّي التعلم النقال مهارات القِراءة وأنشطة التعلم في نظريات التدريس الفعال، وقد حَاول بَعض الدارسين أن يُعْطِي إرشادات تطبيقية لِلْمُصَمِّمِينَ في كَيف ولماذا يكون التعلم النقال أكثر حَيوية في تَدريس الأطفال، في حِين اعتنى فريق آخر من الباحثين بِقياس فاعلية التعلم النقال على اَلْمُتَعَلِّمِينَ البَالغين في أنماط التعليم غير التقليدية كالتعليم عن بعد والتعليم المفتوح والتعليم الإلكتروني.
وَيُعْتَبَر التعلم النقال شكلاً جديداً من أشكال نظم التعلم عن بعد Distance Learning ويسعى إلى الاستفادة من الانتشار الواسع وَالْقُدُرَات الفَريدة للأجهزة المحمولة لإتاحة مواد الدورة التدريبية للطلاب أينما كانوا، وإنشاء أنواع جَديدة من تَجارب اَلتَّعَلُّم التي تُسَاعِد اَلطُّلَّاب على التفاعل مع مُحْتَوَى الدورة التدريبية والعالم، حيث يَسمح لِلطُّلَّابِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ بِالْوُصُولِ إلى التعلم في أي مكان وفي أي وقت، فَهُوَ ليس مُجَرَّد تعلم عَبر الإنترنت على شاشة أصغر، فالهواتف الذكية تَحتوي على بَعض القيود مُقَارَنَة بأجهزة الكٌمبيوتر، ولكنها تحتوي أيضًا على مزايا فريدة يُمْكِن أن تسمح بأنواع جديدة من خِبرات التعلم إذا أحسن أستخدامها وتوافقت مع طبيعة المجتمعات.
ومن هذه المزايا اَلْمُحْتَوَى وهو توفير المواد التعليمية التي يُمْكِن لِلطُّلَّابِ الوصول إليها في أي مكان، أو في سِياقات مُحَدَّدَة، والالتقاط ويعنى استخدام الأجهزة المحمولة لالتقاط اَلصُّور والفِيديو وَالصَّوْت وإحداثيات GPS وَالْمُلَاحَظَات، والتواصل وهو اَلْقُدْرَة على البقاء على اتصال مع زملاء الدراسة في أي مكان أو أثناء أنشطة ميدانية مُحَدَّدَة، وَالْحَوْسَبَة بمعنى استخدام الأجهزة لِلْمُسَاعَدَةِ في الحساب وترجمة اللغة والمهام الحسابية الأخرى، والجَمع أي استخدام الوظائف الأربع اَلسَّابِقَة معًا بِطُرُق مُثِيرَة للاهتمام، مِثل تجارب الواقع اَلْمُعَزَّز التي تلتقط موقع GPS وَالتَّوْجِيه وَالصُّور وَتُوَفِّر اَلْمُحْتَوَى ذي اَلصِّلَة للمُتعلم.
وَتُعَدّ أخلاقيات وقِيم اَلْمُجْتَمَع اَلْمُوَجَّهَة في اَلتِّكْنُولُوجْيَا مجالًا فرعيًا للأخلاقيات يُعَالِج الأسئلة الأخلاقية الخَاصة بعصر اَلتِّكْنُولُوجْيَا، وَهُوَ التحول الانتقالي في اَلْمُجْتَمَع حَيث تُوَفِّر أجهزة التعلم النقال نقل اَلْمَعْلُومَات بِسُرْعَة وسهولة مع تَطور اَلتِّقْنِيَّات، فَالتِّكْنُولُوجْيَا تُشَكِّل مُعْضِلَة أخلاقية على اَلْمُنْتِجِينَ وَالْمُسْتَهْلِكِينَ على حَد سواء. حيث أصبحت أخلاقيات التكنولوجيا الآن موضوعًا مُهِمًّا لأن التقنيات تَمنح الأفراد مَزيدًا من اَلْقُوَّة للتصرف وهذا التصرف يُمْكِن أن يَكون بِشكل أخلاقي وَيُمْكِن أن يَكون بِشكل غَير أخلاقي.
وَيُثِير تَطور الذكاء الاصطناعي وَظُهُور وسائل التواصل الاجتماعي أسئلة حَول كَيفية اَلتَّصَرُّف على هَذه المنصات وإلى أي مَدى سَيكون دُور الذكاء الاصطناعي، وبَرزت بَعض اَلْمُشْكِلَات الحَديثة للنقال مِثل تسرب البيانات وتَداول الأخبار اَلْمُزَيَّفَة والغِش الجانب السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، والفساد الأخلاقي ومع كل هذا يستمر تطور اَلتِّكْنُولُوجْيَا والتي لديها اَلْقُدْرَة على تغيير حَياة اَلنَّاس اَلْيَوْمِيَّة، ويرى البعض أنه على الرغم من الاتفاق على هذا الجانب لدى كل الدراسات التي عَالجت التعلم النقال تَربويا فإن اَلشُّكُوك تَظل مُلِحَّة حَول: هل هذا اَلشُّعُور بالإثارة هُوَ نَابع عن تَأثير استخدام تِقْنِيَّة التعلم النقال، وبالتالي نَعتبره ثَوْرَة سُرْعَانَ ما تَخْمُد بَعد مرور الوقت أم لا. فمع تزايد تأثير التقنيات الناشئة على اَلْمُجْتَمَع، تَزداد أهمية تقييم القضايا الأخلاقية والاجتماعية باستمرار.
ستظل الأسئلة اَلْمُتَعَلِّقَة بما هُوَ علمي وأخلاقي، ومِنها هَل اَلنَّتَائِج اَلْمُبْهِرَة التي حَققها اَلتَّعَلُّم النقال في العَملية اَلتَّعْلِيمِيَّة في بعض البلدان جاءت بالفعل نتيجة استخدام هَذه التقنيات بإستراتيجية واعية وبِشكل مَدروس كأدوات لتطوير التدريس وليس غاية في ذاتها….؟ إضافة إلى هَذا هَل نَستطيع القَول إن كُلّ اَلْمُحْتَوَيَات مِن المواد التعليمية صَالحة للاستخدام والتطوير بين الدول اَلْمُخْتَلِفَة عَبر تقنيات التعلم النقال؟ هَل الدول التي استخدمت تِقْنِيَّة اَلتَّعَلُّم النقال في اَلتَّدْرِيس ونَجحت فيها استخدمت قِيم مُوَجِّهه لكيفية الاستخدام بِشكل آمن يتَوافق وقِيم وأخلاقيات التعامل وَالْمُجْتَمَع؟
هَل كَان هُنَاكَ ثَقافة واعية بِضَرُورَة استخدام النقال بِشكل إيجابي يُفِيد ولا يَضُرّ؟ هَل تَم تدريب العنصر البَشري اَلْمُشَارِك في تفعيل نموذج التعلم النقال؟ هَل كَان للإعلام دُور في نَشر هَذه القِيم؟ هَل يَجب تَقييم اَلتَّوَازُن بَين مسؤولية الفَرد وَالْمُجْتَمَع وَالتِّكْنُولُوجْيَا عَن الفَشل الأخلاقي؟ وهَل يتم اختار قِيادات واعية بِنزاهة وشَفافية لدَيها هَذه المهارات؟ هَل تَم وضَع إستراتيجية مُتَدَرِّجَة مُعْلِنه لِكُلّ ذَلك أم أن التخَبط سِمة للفَشل؟ وهل وهل وهل…. أسئلة كثيرة يَجب أن يُجِيب عليها مسئولي اَلْمُؤَسَّسَات في الدول التي تٌريد استخدام المَنفعة اَلتِّكْنُولُوجِيَّة بِشكل عَام والتعلم النقال بِشكل خَاص للتعلم.. وللحديث بقية،،