الحفاظ على الوطن أمانة
بقلم: الأستاذ الدكتور عطية لاشين أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف
نقسم الحديث عن هذا الموضوع إلى العناصر الآتية:
العنصر الأول : علاقة الوطن بالدين :
الدين والوطن شيئان متلازمان لا يوجد أحدهما بدون الآخر أي لادين من غير وطن ولا وطن حقيقي مرتبط بالسماء من غير دين وبمعنى آخر يستلزم وجود الدين وقوته وعزته ونشره بين الناس أن يكون له مكان ينطلق منه ليتمكن أبناؤه من دعوة الناس إلى دين الله عز وجل وهو دين الإسلام٠
والبرهان العملي على ذلك حينما كان المسلمون مستضعفين ومضطهدين في مكة بلد الله الحرام كان الدين حبيس أفراد قلائل معينين وكان مهيض الجناح مسلسلا ومغلا عن أية دعوة خارجية يدعى فيها الناس إلى دين الله الحق ، وحينما أمر الله رسوله بالهجرة إلى المدينة الأرض الطيب أهلها استقبل أهلها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه بكل ترحاب وسعادة وسرور ٠
وكان المجتمع المدني قبل الهجرة شيعا وأحزابا أوس وخزرج طحنتهم الحروب الضروس الطويلة ،ويهود وغير ذلك ولم ينصهر الجميع في بوتقة واحدة فكان مجتمعا مشتتا منقسما مبعثرا ضعيفا لا يقوى على صد أي اعتداء خارجي عليه قام الرسول صلى الله عليه وسلم بالمزج بين هذه العناصر المتفرقة وانصهر الجميع في بوتقة واحدة ، ولحمة واحدة ووشائج واحدة فأزال ما كان بين الأوس والخزرج من إحن وخلافات وحروب وتلاشت أسماؤهما ليشملهما اسما واحدا هو الأنصار وظل الجميع يعمل تحت هذه الراية ثم قام ثانيا بإصدار وثيقة تسمت باسم وثيقة المدينة بين فيها حقوق غير المسلمين وواجباتهم ليستظل الكل بظل الإسلام ويعمل الجميع تحت رايته من خلال هذه الوثيقة اعتبر كل مقيم في المدينة أخا للآخر سواء كانت أخوة إسلامية كالتي كانت بين الأوس والخزرج ،أو كانت أخوة إنسانية كالتي كانت بين اليهود والمسلمين وبذلك صار الجميع مسلما أو غير مسلم أمة واحدة فقوي المجتمع والوطن المدني وأصبح فتيا معافى قادرا على مواجهة ومجابهة أي اعتداء خارجي وصارت الأوطان الأخرى تعمل له ألف حساب وحينما قوي الوطن وتعافى واشتد عوده واستغلظ ساقه عاد ذلك بالأثر القوي على الدين وأصبح المسلمون قادرين على إخراج الدين من وطنهم إلى الأوطان الأخرى ونشره على مستوى العالم الخارجي ولولا قوة الوطن وتماسكه ما تمكن المسلمون من دعوة الناس إليه ٠
هذا عن علاقة الوطن بالدين وأما عن علاقة الدين بالوطن فإن الدين يجعل أبناء الوطن متمتعين بالحياة الحقيقية التى حظيت بمعية ومعونة السماء ٠
الدين يجعل الوطن في أمن وأمان وهدوء واستقرار وفي عزة ومنعة يجعل أبناء الوطن الواحد بغض النظر عن معتقدهم وكأنهم فرد واحد لا يظلم بعضهم بعضا ولا يبغي بعضهم على بعض ولا يعتدي بعضهم على بعض ،ولا يأكل بعضهم أموال بعض بالباطل لأن الدين علمهم وأرشدهم أن الإسلام يجعل الأنفس والأموال والأعراض والدماء معصومة مصونة لها حرمتها وقداستها وعصمتها يمنع الغير من الاقتراب منها أو التصوير ٠
ولولا الدين لكان أبناء الوطن الواحد يعيشون وكأنهم في غابة يستذل قويهم ضعيفهم ويستعبد غنيهم فقيرهم مما يجعل أمن الوطن مزعزعا وأمنه وأمانه غير مستقر وأفراده خائفون وجلون مهددون ٠
ومما تقدم أكرر ما بدأت به ” لا دين بلا وطن، ولا وطن بلا دين ” ٠
ثانيا : حب الوطن من الإيمان٠
لأهمية الوطن السالف ذكرها ،وعلاقته الوثيقة بالدين وأنه لا وجود لأحدها بدون الآخر جعل الدين الإسلامي حب الوطن والانتماء إليه والمحافظة عليه من الإيمان ومعنى أن يكون حب الوطن من الإيمان أي أن الإنسان إذا أحب وطنه وحافظ عليه كان ذلك عبادة يثاب المرء عليها ويؤجر بسبب ذلك يجد ثوابه في ميزان حسناته يوم العرض على الله عز وجل ٠
دل على ان حب الوطن عبادة دعى الإسلام إليه وحث أتباعه على ذلك قول الله عز وجل :” ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ”
ووجه الدلالة من الآية على اهمية الوطن وقداسته ومكانته أن الله قرن الخروج من الوطن وجمع بينه وبين قتل الإنسان نفسه مما يدل على أن حب الوطن يصل في درجته إلى حب الإنسان للحياة وحرصه عليها فليس أغلى على الإنسان من نفسه ووطنه ٠
ودل على ان حب الوطن فطرة مركوزة وطبع جبلي خلق الله الإنسان عليها حينما أخرج الرسول صلى الله عليه وسلم من وطنه مكة الذي بسمائه استظل ، وبهوائه استنشق وأقلته أرضه كان هذا الخروج أمرا صعبا ليس هينا على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ترجم عن هذه الصعوبة وعن هذا الحزن الذي خيم عليه لحظة خروجه من وطنه قال المعصوم صلى الله عليه وسلم :” والله إنك لأحب بلاد الله إلى ولولا ان أهلك أخرجوني منك ماخرجت ” ٠
ثالثا : مظاهر حب الوطن :
من مظاهر حب الوطن ما بلي :
١ المحافظة على مؤسساته ،وعدم إتلاف مرافقه العامة والخاصة ، وعدم إتلاف مبانيه وحرقها ٠
٢ عدم الاعتداء على أرواح أبنائه وعدم تعطيل وسائل مواصلاته ٠
٣ عدم موالاة أعداء الوطن وعدم الانصياع إليهم في تنفيذ مؤامراتهم الخبيثة وأغراضهم القميئة في إضعاف وطننا الغالي وبث روح الفرقة والعداوة بين أبناء الوطن الواحد ٠
٤ المحافظة على هيبة الدولة وإتقان العمل وتحسينه ،وطاعة ولاة الأمور والا لتفاف حولهم تحقيقا لتماسك المجتمع وإنجاحه ،وتحقيق أمنه وأمانه٠
٥ إنجاح خطط التنمية وإعطاء الفرصة لدولاب العمل يسير ، وعجلة الإنتاج تدور ٠
حفظ الله الوطن بكافة أطيافه علماء وقيادة وجيشا وشرطة وشعبا