السعادة سر الأسرار

بقلم نجاح حجازي

نعم السعادة سر لا تعرفه إلا النفوس المتسامحة، المتواضعة ،البيضاء بلون المدا تلك التي تتنسمها عبيرا للياسمين، آثرها بكل مكان وكل نبض لإنها ملتحفة بالخير والإنسانية، شعارها نحن وليس أنا فالكل في واحد يساوي واحد ،
وأن كل شيء في الوجود مصيره النقص وربما الفناء إذا قسم إلا السعادة لإنها تزيد وتربو إذا إقتسمت مع الآخرين .

وهذه قبيلة بدائية عرفت سر السعادة الذي ضاع من نفوس سوداء ترى نفسها فوق غيرها او في مجتمعات متحضرة تري نفسها فوق الجميع .

ففي يوم قام أحد علماء الأنثروبولوجيا بعرض لعبة على أطفال هذه القبيلة الإفريقية البسيطة ، ووضع سلة من الفواكه اللذيذة قرب جذع شجرة ،
وقال لهم بأن أول طفل يصل للشجرة سيحصل على السلة بما فيها وعندما أعطاهم اشارة البدء تفاجأ بهم يسيرون سويا ممسكين بأيدي بعضهم البعض حتى وصلوا للشجرة وتقاسموا الفاكهة اللذيذة،
عندما سألهم لماذا فعلوا ذلك بينما كل واحد منهم بامكانه الحصول على السلة له فقط ؟
أجابوه بتعجب ! أوبونتو Ubuntu
كيف يستطيع أحدنا أن يكون سعيداً فيما الباقين تعساء؟ ،
وفي حضارة هذه القبائل والتي تسمي قبائل “خوسا “Xhosa وتنتمي إليها قبيلة هؤلاء الأطفال ، تعني كلمة “أوبونتو” Ubuntu
” أنا أكون لأننا نكون ” أو “الإنسانية تجاه الآخرين “، فالجماعة يد واحدة في السراء والضراء ،
ويقطن هؤلاء الخوسيون في جنوب افريقيا ويتميزون بتلك الفترة الإنسانية السليمة رغم ما قاساه هؤلاء من التمييز العنصري على يد البيض في جنوب إفريقيا حتى أوائل التسعينيات من القرن العشرين ،
ومن اشهرهم الزعيم والمناضل العظيم “نيلسون مانديلا ” من قبيلة ثمبو.

نعم هذه مبادئ إنسانية سامية تقدسها تلك القبائل البدائية ،
لكن للأسف التربية في مجتمعنا علي النقيض تماما ؛ فنجد الطفل في رياض الأطفال يعلموه ايضا لعبة الكراسي ولكن !!!
يأتون بتسعة كراسي لعشرة أطفال ويقولون بأنّ الرابح مَن يحصل على الكرسي ومَن يبقى بدون كرسي يكون خارج اللعبة ثمّ يقلّ عدد الكراسي كلّ مرّة ويخرج طفل حتى يبقى طفلًا واحدًا ويتم إعلانه “الفائز” فيتعلّم بتلك اللعبة البسيطة والمحبوبة لدي أطفالنا ثقافة نفسي نفسي، ولكي أنجح ولكي ابقي علّي أن أزيح غيري بكل ما أوتيت من قوة وتبقي للأسف سمة شخصية لهذا الطفل، رجل الغد طوال حياته .

post

أما في رياض الأطفال باليابان يلعبون مثلنا لعبة الكراسي لكن !!!
مختلفة أيضا ،يأتون بتسعة كراسي لعشرة أطفال، مع فارق بأنّهم يقولون للأطفال بأنّ عددكم أكبر من الكراسي فإذا بقى أحدكم دون كرسي، يخسر الجميع فيحاول الأطفال احتضان بعضهم البعض لكي يستطيع عشرة أطفال الجلوس على تسعة كراسي ومن ثمّ يقل عدد الكراسي تباعًا، مع بقاء قاعدة أنّهم يجب أن يتأكدوا بأنّ لا يبقى أحدهم دون كرسي وإلا خسروا جميعًا ،
فيتعلّم الطفل بذلك ثقافة “لا نجاح لي دون مساعدة الآخر في هذا النجاح” ولهذا كانت المعجزات اليابانية والمتتالية والتي لاتعني باستثمار حكومي بل استثمار حقيقي في اطفالها، بتعليم نوعي قائم علي الثقة والتعاون وخلق وابداع حلول لكل صعب ومستحيل لإيجاد مكانةٍ فى عالمٍ شديد التقلّبات ،
واخر المعجزات اليابانية ” ازاله جبل ” نعم ؛ ازاله جبل لبناء بلدة صغيرة ل٢٠ الف مواطن رفضوا ان يسكنوا التلال المحيطة بوادي النهر وارادوا العيش كما كانوا علي ضفاف النهر بعد توابع توسانمي وكارثة انصهار قلب مفاعلين نوويين فى فوكوشيما و تدمير كثير من المدن الساحليّة على المحيط الهادئ ،
وبسرعة فائقة كانت الحلول وصندوق اعادة الإعمار جاهزين ولكن ؛ الشئ الوحيد الذي أخذ وقتا هو التشاور والتوافق مع المواطنين حول كيفية التشيد والاعمار والعودة للأماكن المدمرة وكان من بينهم سكان هذه البلدة الصغيرة المشاطئة للنهر وارادوا العودة للعيش علي ضفاف النهر وبالفعل تمت ازاله الجبل لردم السهل اكثر من ٢٠ مترا لإقامة ساتر علي طول الواجهة البحرية تحسبا لمواجهة توسانمي جديد باي وقت وتكلف بناء هذه البلدة اكثر من ٢ مليار دولار ولم ينتظر منها ابدا اي دور اقتصادي بل كان الأهم الإنسان .

ومن اكثر الموضوعات التي حث عليها ديننا الاسلامي بل وكل الديانات السماوية ثقافة الإيثار والتعاون وحب الخير للآخر ولكن للاسف لا يطبقها الا القليل منا في حياته .

وقال المولي عز وجل :
(وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) ،
و قال نّبينا صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
“لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ”

واختتم سطوري بآبيات جميلة عبرت عن تلك المعاني للشاعر السوري /رشيد الخوري

ولي إن هاجت الأحقاد قلب
كقلب الطفل يغتفر الذنوبا

أود الخير للدنيا جميعــــــا
وإن أك بين أهليها غريبا

إذا ما نعمة وافت لغيــــري
شكرت كأن لي فيها نصيبا

تفيض جوانحي بالحب حتى
أظن الناس كلهمو حبيبا

زر الذهاب إلى الأعلى