دفاع القرآن الكريم عن النبي صلى الله عليه وسلم وبيان عاقبة المستهزئين
عمرو حلمي
هناك العديد من الآيات القرآنية التي تبين عاقبة المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما تؤكد أن الله تعالى تكفل بنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم والانتقام له ، وأنه كفاه ممن استهزأ به، وهذا ماض إلى يوم القيامة دائماً وأبداً؛ مصداقاً لقوله تعالى : {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} [الحجر(95)].
فهذا وعْدٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنْ لا يضره المستهزئون، وأنْ يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل الله تعالى، فإنَّه ما تظاهر أحدٌ بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة”.
قال تعالى : {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا(27) يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29) وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (31) } [ الأحزاب (28-31)]
فالله تعالى يخبر عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول وما جاء به من عند الله من الحق المبين ، الذي لا مرية فيه ، وسلك طريقا أخرى غير سبيل الرسول ، فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم ، وعض على يديه حسرة وأسفا.
وسواء كان سبب نزول هذه الآيات في عقبة بن أبي معيط أو غيره من الأشقياء ، فإنها عامة في كل ظالم , إذ أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، قال تعالى : {يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا } [ الأحزاب : 66 – 68 ] فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم ، ويعض على يديه قائلا : {يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا}.
كما رصدت لنا السنة النبوية صورا للمستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم منها :
ما رواه أنس رضي الله عنه أنه قال : «كانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فأسْلَمَ، وقَرَأَ البَقَرَةَ وآلَ عِمْرَانَ، فَكانَ يَكْتُبُ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكانَ يقولُ: ما يَدْرِي مُحَمَّدٌ إلَّا ما كَتَبْتُ له، فأمَاتَهُ اللهُ فَدَفَنُوهُ، فأصْبَحَ وقدْ لَفَظَتْهُ الأرْضُ، فَقالوا: هذا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ منهمْ؛ نَبَشُوا عن صَاحِبِنَا فألْقَوْهُ، فَحَفَرُوا له فأعْمَقُوا، فأصْبَحَ وقدْ لَفَظَتْهُ الأرْضُ، فَقالوا: هذا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وأَصْحَابِهِ؛ نَبَشُوا عن صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ منهمْ فألْقَوْهُ، فَحَفَرُوا له وأَعْمَقُوا له في الأرْضِ ما اسْتَطَاعُوا، فأصْبَحَ وقدْ لَفَظَتْهُ الأرْضُ، فَعَلِمُوا أنَّه ليسَ مِنَ النَّاسِ، فألْقَوْهُ» [رواه البخاري].
فهذا الذي حدث لهذا المارق يعد معجزة ، تدل على أن هذه عقوبة لما قاله ، وأنه كان كاذباً؛ إذ كان عامة الموتى لا يصيبهم مثل هذا، وأن هذا الجُرم أعظم من مجرد الارتداد؛ إذ كان عامة المرتدين لا يصيبهم مثل هذا، وأن الله منتقم لرسوله ممن طعن عليه وسبَّه، ومُظْهِرٌ لدينه، وكذب الكاذب”.
ومنها : قصة كسرى مع النبي صلى الله عليه وسلم فهي مشهورة جديرة بالتأمل فيها العبرة والعظة
فقد كتب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ملك الفرس يدعوه إلى الإسلام ، فامتنع عن إجابته، وقام بتمزيق كتاب النبي الله صلى الله عليه وسلم، واستهزأ به، فقتله الله بعد قليل، ومزق ملكه كل ممزق، ولم يبق للأكاسرة مُلك بعد.
فهذه عاقبة كل من أبغض النبي صلى الله عليه وسلم وعاداه، فالله تعالى يقطع دابر الكافرين والمنافقين ، ويمحق أثرهم، وهذا تحقيق وتصديق لقول الله تعالى : {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ} [المدثر (3)].
وينبغي أن يُعْلم أن كفاية الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ممن استهزأ به أو آذاه ليست مقصورة على إهلاك هذا المعتدي بقارعة أو نازلة، بل صور هذه الكفاية والحماية متنوعة متعددة، قال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر (31)].