إشكالية العقلانية في فلسفة وليم جيمس
كرستين عماد سامي داود
عمرو حلمي
تحت رعاية سعادة أ.د / ماجد أبو العنين عميد كلية التربية جامعة عين شمس الأسبق
و أ.د / حازم راشد وكيل الكلية للدراسات العليا والبحوث الأسبق والعميد الحالي للكلية.
تم بحمد الله وتوفيقه مناقشة رسالة دكتوراه الفلسفة لإعداد المعلم في الآداب , تخصص«الفلسفة»
للباحثة / كرستين عماد سامي داود – المدرس المساعد بالكلية.
وكان موضوع الرسالة بعنوان: «إشكالية العقلانية في فلسفة وليم جيمس»
وذلك يوم الأربعاء الموافق
٢٨ /يوليو/ ٢٠٢١م
وتكونت لجنة الإشراف والحكم على الرسالة من السادة الأساتذة :
أ.د / مراد وهبه جبران – أستاذ الفلسفة المتفرغ كلية التربية جامعة عين شمس (رئيسًا ومشرفًا).
أ.د / سعيد محمد توفيق – أستاذ الفلسفة المعاصرة كلية الآداب – جامعة القاهرة والأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة بمصر سابقًا ورئيس تحرير بالهيئة العامة لقصور الثقافة (مناقشًا).
أ.د / عبده كساب عبد القدوس – أستاذ الفلسفة المعاصرة ووكيل الكلية لخدمة المجتمع وتنمية البيئة- كلية الآداب- جامعة الزقازيق(مناقشًا).
أ.د/ فريال حسن خليفة – أستاذ الفلسفة المتفرغ كلية التربية جامعة عين شمس (مشرفًا ومناقشًا).
وبعد المناقشة خلت اللجنة للمداولة والحكم على الرسالة ثم قررت بالإجماع :
منح الباحثة / كرستين عماد سامي داود – درجة الدكتوراه في الآداب تخصص«الفلسفة» بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بتبادل الرسالة مع الجامعات العربية والأجنبية.
السيرة الذاتية للباحثة :
كرستين عماد سامي داود , حاصلة على الليسانس في الآداب والتربية شعبة الفلسفة والاجتماع (فلسفة أساسي- اجتماع فرعي) بتقدير ممتاز – مرتبة الشرف الأولى من كلية التربية جامعة عين شمس عام 2011م.
حاصلة على الدبلومة العامة لإعداد المعلم في الآداب «شعبة الفلسفة», بتقدير ممتاز من كلية التربية جامعة عين شمس عام 2013م.
حاصلة على الدبلومة الخاصة لإعداد المعلم في الآداب «شعبة الفلسفة», بتقدير ممتاز من كلية التربية جامعة عين شمس عام 2014م.
حاصلة على درجة الماجستير لإعداد المعلم في الآداب «شعبة الفلسفة», بتقدير ممتاز – بمرتبة الشرف الأولى مع التوصية بتبادل الرسالة مع الجامعات المصرية والعربية من كلية التربية جامعة عين شمس عام 2017م.
وكان موضوع الرسالة بعنوان : «مفهوم الحقيقة عند جون لوك» , وتم نشرها بواسطة الهيئة العامة لقصور الثقافة – وزارة الثقافة تحت عنوان : «مفهوم الحقيقة والتسامح عند جون لوك» عام 2018م.
كما أن لها بحثين منشورين : في مجلة كلية التربية جامعة عين شمس , البحث الأول: «التسامح وعلمنة المجتمع عند جون لوك» تم نشره عام 2017م.
والبحث الثاني : «البراجماتية وفلسفة المستقبل عند وليم جيمس» تم نشره عام 2021م.
الوظيفة : مدرس مساعد بكلية التربية جامعة عين شمس.
وعن أهمية موضوع الرسالة تحدثنا الباحثة فتقول:
كان اختياري لفلسفة وليم جيمس : لأن فلسفته هي أثر لفلسفة عصره الغالب عليها العقلانية والتطور العلمي. إلا أن منحاه الفلسفي تميزَّ بالمرونة وعدم الجمود. وكان يمضي إلى غايته حرًا متحررًا، مكرسًا نفسه لما كان يعتقد أنه الحق في اللحظة الراهنة من تفكيره آنذاك.
ومن هنا تبدو أهمية فلسفة جيمس التي جاءت تعبر عن المنهج العلمي في التفكير وانبثقت من روح القرن العشرين، وارتبطت بتطور مناهج البحث والاتجاهات الواقعية المعاصرة ، وهي أمريكية رأسمالية الاتجاه ترجع إلى المادة والواقع وتنظر إلى حقيقة الفكرة من خلال نتائجها العملية والنفعية على خلاف الحقيقة الميتافيزيقية التي تنظر إلى الفكرة بأنها مطلقة.
إنها فلسفة ثائرة على التفكير المطلق الذي يباعد بين الفلسفة والحياة، والعقل والجسم، والمادة والروح, والعقل والعمل, وبالتالي هي فلسفة جديدة معبرة عن رؤية جديدة لعالم جديد لأمريكا.
فهي فلسفة لا ترجع في تاريخها إلى أكثر من قرن من الزمان. وهي أيضًا ثمرة التفاعل بين الأفكار التي حملها المهاجرون الأوربيون إلى أمريكا ودين البيئة التي نشأوا فيها.
من ثم تتمثل أهمية موضوع البحث في البراجماتية حيث إنها موضوع العصر الراهن الذي يراود البشرية عامة.
والبحث في قضية البراجماتية التي يفرضها واقع أمريكا اليوم مهما تختلف الآراء عنها قبولًا أو رفضًا , إذ تلك الآراء المختلفة جميعًا تلتقي عند نقطة وهي أن البراجماتية تمثل هذا العصر العلمي ومن ثم يكون من المُتعذر على المتعقب لثقافة هذا العصر أن يُغمض عينيه عن هذا التيار الفكري الذي تفجر ينبوعه على يد تشارلز بيرس (1839م -1914م).
وأشارت إلى أنه إذا كانت دراسة هذا التيار الفكري أمرًا لازمًا على المثقف العام, فهي ألزم للدارس المتخصص في الفلسفة , لأن البراجماتية ليست مجرد اتجاه من اتجاهات الفلسفة المعاصرة فحسب, بل ركيزة رئيسية تلتف حول أطرافها وأركانها قضايا وإشكاليات فرعية كثيرة.
وتأسيسًا على كل ذلك أيضًا كان اختياري لإشكالية العقلانية في فلسفة جيمس لأن النظر إلى السياق التاريخي لأمريكا أثناء الحرب الأهلية وما ترتب عليها من صراعات المذاهب الفكرية نخلص منه إلى أن العقل وسيلة إلى التطور والرقي مستندًا في ذلك إلى الخبرة الأمر الذي دفع جيمس إلى القول أن كل فكرة صحيحة هي التي تعمل على تغيير الواقع ليكون متقدمًا على الحاضر ومتجهًا نحو المستقبل.
وأضافت : وبناءً على ذلك يتساءل : كيف نبني المستقبل؟
الجواب : عند جيمس, يدور حول فكرتي العلم والعمل, ومن ثم فإنه يتجه إلى البحث عن المنهج البراجماتي الذي من خلاله يستطيع نقدَّ المذاهب المثالية والتجريبية وبيان عجزها في بناء الواقع الأمريكي.
وبالتالي كان من اللازم البحث عن طبيعة العقلانية بشكل مختلف بحيث تكون انعكاسًا للحياة الاجتماعية والدينية والأخلاقية.
وتابعت : إنه من الجدير بالتنويه هنا أنّ طبيعة الحقيقة, عند جيمس مرهونة بالزمان.
وإذا كان الزمان مكونًا من أُنات ثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل فأي هذه الأنات له الأولوية بالنسبة إلى الوعي بالزمان؟ الرأي, عنده, أن الأولوية ليست للماضي لأن الماضي, في أصله, مطلق وهذا غير مشروع. كما أن الأولوية ليست للحاضر لأنه وهَمْ ؛ إذ هو نهاية ماض وبداية مستقبل.
يبقى إذن أن تكون الأولوية للمستقبل بمعنى أن الإنسان مشدود إلى غاية، أي إلى رؤية مستقبلية يريد تحقيقها في الواقع فإذا تحققت يكون قد نقل، في هذه الحالة، الوضع القادم إلى وضع قائم.
ومع الوقت ينزلق هذا الوضع القائم إلى الماضي، وعندئذ ينتهى الوضع القائم ليفسح الطريق لمستقبل قادم آخر.
ومن هنا يتبين أن طبيعة العقل, عند جيمس, هي التي حددت خطة هذه الرسالة من حيث إنه يأخذ صورة منهج جديد للتفكير في سياق تطوره لمعالجة مشكلات المجتمع الإنساني بشكل عام, والمجتمع الأمريكي بشكل خاص, وهذا الجديد هو الذي يميز جيمس عن سابقيه.
فإذا زعم ديكارت أن معنى العقل مردود إلى الوضوح والتميز, وأكد كانط على العقل النظري والعملي, ورد التجريبيون الفكرة إلى الواقع فإن جيمس قد نادى بأن الفكرة مرهونة بنتائجها العملية وربط صدقها بنفعها.
ومن ثم كان من اللازم الكشف عن طبيعة العقل, عند جيمس, وتحديد إشكاليات العقلانية وتحليلها, وبيان تأثير أفكاره على المجالات الإنسانية المختلفة في المعرفة والدين والمجتمع في ضوء فهمه للعقلانية, وفي ذلك السياق يتم تناول الأفكار الفرعية الآتية:
ما العقلانية؟, إشكالية الحقيقة, إشكالية الإيمان والدين, إشكالية العالم.
كما استعرضت الباحثة محتويات البحث إذ تقول :
وفيما يلي عرض سريع لمحتويات هذا البحث :
يشتمل البحث على مقدمة , وأربعة فصول , وخاتمة , وتكمن إشكالية البحث في الوقت الذي كان العقلانيون يتناولون قضايا المعرفة والكون في إطار معرفتهم بالعقل والمطلق, والمبادئ الجوهرية الأساسية كان جيمس ينقد العقل كمصدر لليقين والوصول إلى الحقيقة المطلقة, ويقاس صدق أية نظرية بنتائجها.
فلا قيمة لفكرة إلا وفقًا لنتائجها العملية , ومن ثم تكون النتائج العملية هي المحك النهائي للحقيقة.
بيد أن النتائج متباينة بتباين مستويات تطور الواقع وليس هناك ما هو محدد منذ الأزل أو صادق بالضرورة , وهذا على الضد من القول بأن الحقيقة واحدة. ومن هنا يقول جيمس إن الحقيقة متعددة.
وبناءً على ذلك يكشف جيمس عن تناقضات العقلانيين وقصور وجهة نظر التجريبيين, ولكنه لم يهمل دور العقل أو يتغافل عن الواقع في معرفة الحقائق.
بل جعل معرفة الحقائق تقوم على علاقة العقل بالواقع, بيد أنه لم يجعل العقل بذاته قادرًا على اثبات صحة أفكاره.
ولذلك لجأ جيمس إلى التحقق العملي للأفكار معيارًا لصحة الفكر ووضوحه.
وإلى جانب إشكالية العقل والحقيقة تناول جيمس في تحليله لفلسفة ديكارت وغيره من العقلانيين إشكالية الإيمان والدين, وأيضًا إشكالية العالم في إطار الوحدة والكثرة وتكمن في أن النظرة العقلية للواقع هي النظرة الوحيدة التي تفسر الخبرات وترابطها في مطلق واحد.
بينما عند جيمس فهي تكمن في التعددية التي يتصف بها العالم إذ ارتأى أن العالم بوقائعه وعلاقاته له وجود حقيقي, وليس في حاجة إلى رباط خارجي.
هذا وقد تم تناول موضوع الرسالة في إطار مجموعة من القضايا الفرعية وهي :
ما العقلانية؟ , إشكالية الحقيقة , إشكالية الإيمان والدين , وأخيرًا إشكالية العالم.
ومن ثم كانت فصول الرسالة محاولة لتقديم الإجابة عن التساؤلات التي تدور في عقل القارئ:
ما العقلانية؟ هل العقل أو الواقع هو مصدر الحقيقة أم أن المصدر يجمع بين العقل والواقع؟ هل يقينية الفكرة أو صحتها تؤكد على أن الأساس هو العقل أم الواقع؟
ماذا عسى أن تكون ماهية الحقيقة ؟
وما المقصود بالمنهج البراجماتي عند جيمس؟
وما هو موقفه من مناهج التفلسف عند المثاليين والتجريبين؟
ولماذا أطلق عليه هذا المصطلح؟
ووفقًا للخبرات الدينية هل الله واحد أم متعدد؟ متناه أم مطلق؟
هل العالم واحد أم متعدد؟ هل هناك وحدة وجود؟.
وعن منهج الباحثة في رسالتها تقول :
وقد أُستخدم كلًا من : المنهج التحليلي النقدي لاستخلاص رؤية وليم جيمس في تناوله إشكالية العقلانية. والمنهج التاريخي لبيان الظروف التاريخية لنصوص جيمس من أجل الكشف عما إذا كان فكر جيمس قد طرأ عليه تطور أم لا, مع بيان المصادر التي استمد منها عناصر رؤيته العقلانية.
في مقدمة الرسالة, ثمة تعريف بموضوع الرسالة, وأهميته, وجدوى دراسته, وقضاياه الفرعية.
الفصل الأول : ما العقلانية؟
تناول هذا الفصل معنى العقل باعتباره ملكة التعقل ومصدر الحكم, فضلًا عن قدرته على تعقل الوجود وأنه ليس في إمكانه فهم الواقع دون توحيده. وعليه تعددت رؤى الفلاسفة حول هذه الوحدة. ويترتب على هذه الرؤية البحث عن العلاقة بين العقل والواقع عند أفلاطون, وابن رشد, وديكارت, وسبينوزا, وليبنتز, وأيضًا كانط.
وهنا ثمة موقفان للعقلانية : الموقف الأول : يتبناه “العقلانيون الكلاسيكيون” وهو رؤيتهم بوجود حقائق ضرورية فطرية في العقل وضرورة الكشف عنها. والموقف الثاني : يتبناه “العقلانيون المعاصرون” ويتخذ صورة صراع على مستوى الموقف من العلم, بين “مثالية أفلاطونية” تبحث عن أساس اليقين خارج الإحساس والخبرة, وبين “اختبارية أرسطية” تربط اليقين بمعطيات الملاحظة والتجربة, وبين عقلانية جيمس التي هي إرهاص جديد يلائم جدة النظريات العلمية. وبالتالي أخذ جيمس على العقلانية الكلاسيكية محاولتها البحث عن أساس اليقين خارج الإحساس.
الفصل الثاني : إشكالية الحقيقة.
تضمن هذا الفصل طبيعة الحقيقة, عند جيمس بناء على موقفه الابستمولوجي حسب ما ورد في مؤلفاته “معنى الحقيقة”, و”البراجماتية”. وارتأى جيمس أن التجربة الحسية هي أساس المعرفة الإنسانية, وأن الحقيقة الملموسة هي أساس أفكارنا. ووضوح أفكارنا عن الأشياء يكمن في معرفة النتائج العملية.
ولم يعد صدق الفكرة في ذاتها, وإنما أصبح صدقها مرهون بمعرفة الفارق العملي الذي بمقتضاه نميز الأفكار الصادقة من بين الأفكار الكاذبة. وبالتالي تغير معنى الحقيقة الذي سارت عليه عقلانية ديكارت وكانط وليبنتز.
وبذلك يكون معيار الحقيقة هو المنفعة وليس مطابقة العقل مع الواقع.
وبهذا تكون الحقيقة البراجماتية طريقة لحسم النزاعات العقلية حول هل الحقيقة واحدة أم متعددة؟
هل الحقيقة نسبية أم مطلقة؟ هل الحقيقة قبلية أم حسية؟
ويتعين علينا إثارة السؤال عن ما الفارق العملي في التجربة بين هذه النزاعات؟.
وهكذا تكمن عقلانية جيمس في إشكالية الحقيقة أن العقل يكون مجرد أداة التوجيه نحو الوصول إلى الحقيقة وكل ما هو مفيد للإنسان. وهكذا تكون الحقيقة, عند جيمس هي إنسانية.
لهذا يلزم علينا الإقلاع عن وَهْم امتلاك معرفة الحقيقة الواحدة.
فالحقائق نسبية ومتعددة في الزمان ولا تتجاوزه. وبالتالي يكون صدق الحقيقة ليس يقينًا مطلقًا.
وتلك هي فلسفة التجريبية الراديكالية التي حاول بناءها جيمس.
الفصل الثالث : إشكالية الإيمان والدين.
ناقش هذا الفصل إشكالية العلاقة بين العقل والدين, عند جيمس على نحو ما جاءت في مؤلفاته “إرادة الاعتقاد” , و”أشكال الخبرة الدينية”.
كما تدور الإشكالية حول بيان جيمس فشل إدعاءات الفلسفة المطلقة واستدلالتها في فهم الدين قبليًا ويكون في الوقت الذي كان فيه العقل, عند العقلانيون هو المعيار الموضوعي الذي يحتكمون إليه في التمييز بين ما هو صادق وكاذب في الدين, وإقرار مدى صدق الاعتقاد كان مرهون بالمطلق, يكون الاعتقاد, عند جيمس هو مسألة إيمان. وأساس الإيمان هو الشعور.
ومن ثم نادى ﭽيمس بحق الفرد بتبرير الإيمان واتخاذ موقف عقائدي في الدين وإن لم يكن مضطرًا إلى إعمال عقله المنطقي. ويعتبر جيمس أن كل اعتقاد هو قضية فرضية مرهونة برغبة الفرد وإرادته على الفعل. وهذا هو ما يرفضه صاحب النسق المغلق.
وبالتالي الحقيقة التي كانت, وفقًا للعقلانيون, مطلقة لصلتها بالمطلق ومستقلة عن الإنسان, وسرمدية، وموجودة سواء أدركها الإنسان أم جهلها ينكرها جيمس ويرى أن أفضل طريقة لمناقشة المسائل الدينية هي بيان الفارق العملي الذي ينتج عنها بصحة هذه المسائل أو تلك. ومن ثم لا يكون بإمكان العقل المجرد إدراك الحقيقة الدينية ولا يمنحها الدعم الذي تحتاجه.
وكل ما في إمكانه فقط, في رأي جيمس هو العمليات العقلية التي تقوم بتصنيف الحقائق, وتعريفها, أو تأويلها. لكنه لا ينتجها.
وهكذا ما يمكن للعقل أن يقدمه للدين, في نظر جيمس, هو البعد عن الميتافيزيقا والاستنباط والأخذ بالنقد والاستقراء, والتحول من اللاهوت إلى علم الأديان الذي ندعمه بوقائع الخبرة الإنسانية ثم يختبرها نقديًا ويعيد بناءها ويقر مع العلوم بأن دقة الطبيعة تتجاوز عقله وأن نتائجه تقديرات تقريبية.
وعلى هذا النحو ارتأى جيمس إن الدين الحقيقي يوُلد من صوت التجربة الإنسانية بداخلنا.
وبها نحكم بالإدانة على الدين الذي يقف ضد مسار التطور. فإذا كانت الحياة الدينية على هذا النحو فلنؤمن بها. وإذا لم تكن نجرَّدها من مصداقيتها. ذلك هو مبدأ البقاء للأصلح من المعتقدات الدينية.
ويلزم من تعدد الحقيقة إنكار المطلق. وإذا كان ذلك كذلك فلا يمكن لأحد الحكم على دين الآخرين, وإنما عليه الانحياز للدين الذي يحقق احتياجاته الخاصة فحسب. ومن ثم يكون المعبر إلى العلمانية.
الفصل الرابع : إشكالية العالم.
تم تناول إشكالية العالم في هذا الفصل, عند جيمس كما جاء في مؤلفه “عالم متعدد” وفيه أتناول جوهر الاختلاف بين جيمس والاتجاه الواحدي في تصور العالم.
والفلسفة الواحدية ترى العالم على أنه حقيقة واحدة كلية وكاملة. ومن ثم ينهج العقلانيون في فهم العالم منهجًا واحدًا وهو وجوب وجود الكل القبلي أي المطلق.
ويعتقدون بأن معطيات الحس وما يتعلق بها هي غير مترابطة ومتناثرة ولا رابط بينها مما أفضي بهم إلى استبدال هذا النظام الحسي المتناثر بنظام عقلي صوري والاستعانة به ليصلح العالم بطريقته الخاصة ويحقق النظام فيه.
ومن أجل ذلك أنكر العقلانيون وجود علاقات تربط بين الأشياء من الخارج مما يلزم منه فرض المطلق ليقوم بوظيفة الوحدة. إذ يعتبرونه هو مبدأ العالم وأصله. ويكون فرض التعددية, بالنسبة لها, غير مشروعًا.
وفي المقابل أخذ جيمس بفرض “التعددية” وفحواه أن الأجزاء المنفصلة في الواقع يمكن لها أن تتصل من الخارج بعضها ببعض وتتعدد وليس ثمة مطلق يشملها داخله. والعالم, وفقًا لجيمس, هو التحقق التجريبي في كل لحظات خبراتنا الحسية.
وما العالم, في النهاية, سوى منظمة اجتماعية يسود فيها التعاون بين مساهمين مختلفين قواهم محدودة ومسئولياتهم محدودة. ومن تفاعل هذه المنظمات واحتكاكها وتعاونها وتداخلها، بل ومن جهودها المشتركة وانتصاراتها المتلاحقة يأتلف هذا الكون المتعدد.
ويلزم من التعدد إنكار المطلق. وعملية افتراض فهم العالم بالعقل المطلق ومحاولة تنظير الواقع أو تجريده تبسيطًا له معناه موت العالم من حركة الأحداث وصيرورتها ووضع العالم في قالب جامد وكأن العالم قد تحقق وانتهى. ومن هنا باتت وظيفة العقل هي توجيهنا للسلوك العملي في العالم والتكيف مع أنشطتنا العملية ووسيلة معاونة للحس لتغيير الواقع وفهمه. فهو نفعي على الطريقة البراجماتية.
وبراجماتية جيمس : هي محاولة اقتفاء آثر النتائج العملية من المناقشات الميتافيزيقية وما وراء العالم التي شغلت العقلانيون. وبالتالي فإن الحقيقة لم تعد حدسًا قبليًا لما هو في العقل أو تطابقًا مع الواقع, وإنما هي مردودة إلى سلوك الإنسان من خلال توافق رغباته مع العالم.
وفي الختام قامت الباحثة بعرض أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال دراستها فتقول :
أما في الخاتمة : قد عرضت أهم النتائج التي تم الوصول إليها من خلال دراسة إشكالية العقلانية في فلسفة وليم جيمس وتتضح في أن فلسفة جيمس هي إنكارًا لما هو قبلي وجامد، واندفاعًا نحو كل ما هو نسبي ومتطور متجاوزًا في ذلك التصورات الجاهزة ، والأفكار التامة المعدة من ذي قبل. وكل ذلك قوامه الجهد والعمل الإنساني.
وفي هذه اللحظة يكون دور العقل هو العمل وليس احتواء العالم, أو أن يلتفت إلى الوراء ليتأمل الكوكب. أي أن يعمل ويحتك بالواقع الذي يعمل ضمنه ونحاول من خلاله فهم الواقع. ونخلص من ذلك أن عقلانية جيمس ترسم للإنسانية صورة في خُطى المستقبل فيها يطوّع العالم لإرادة الإنسان. والحقيقة والواقع من صنعه. وبالتالي بات المستقبل أمام الإنسانية مفتوحًا يسمح لكل فرد أن يحقق ذاته.
وبهذا المعيار للحقيقة ولقيمة الإنسان ولمعاني الأفكار تستطيع الإنسانية أن تتوحد وتحتل مكانتها في مستقبل العالم.
وفي الختام : لا يسعنا في هذا المقام ألا أن نتقدم بخالص التهاني القلبية إلى الباحثة الدكتورة / كرستين عماد سامي داود – المدرس المساعد بكلية التربية جامعة عين شمس, وذلك بمناسبة حصولها على درجة الدكتوراه في الآداب , تخصص«الفلسفة».
والتي أثرت المكتبة العلمية والفكرية والتربوية بهذا البحث العلمي والفكري والتربوي المتميز , والعقبى في الأستاذية , سائلين الله تعالى أن يوفقها لكل خير وأن ينفع بها وبعلمها.