نبيل قسطندى قلينى
نبيل قسطندى قليني
لا شيء يميز رواد المقهى ، فرواد المقهى هنا متشابهون، يبدو الأمر وكأنهم مستنسخون، وكأنهم صنعوا من عجينة واحدة، وجوه بلون التراب، قسمات نحتها الفقر والبؤس والعطالة المزمنة، معاطف باهتة، أحذية متهالكة، والكثير من فناجين القهوة والشاي والسجائر الرخيصة.
ينظر احد رواد المقهى وهو يعمل مدرس ولكنة الان بلا عمل إلى فنجانه ، يتذوقه على مضض، يرشف منه رشفات خفيفة، يفكر أنه زبون منتظم لهذا المقهى منذ سنوات، وأن ألاف الفناجين التي تجرعها هنا كانت كلها سيئة، وأنه لاشيء يربطها بالقهوة إلا الإسم والسواد .
تذكر سجائره، أشعل واحدة، سحب منها نفسا عميقا وراح يطرد الدخان من رئتيه، يطرده من فمه وأنفه بالتناوب، ثم يرسله على شكل أعمدة قوية ومستقيمة.
نظر إلى قهوته، أبعد الفنجان قليلا بحركة ألية، وقرر ألا يشربها.
خاطب نفسه بصوت مسموع.
لن أفسد سيجارتي بهذا السائل الردئ.
سار في الشوارع على غير هدى، تتسارع خطواته وتتباطأ على إيقاع هواجسه التي تدور بداخله، يسترجع صورا من حياته الممتدة، اقربها حين تقدم للعمل وفوجئ باعلان عن تطوع المعلمين للتدريس بلا مقابل !
ولكن ذلك لن يجلعه متشائما، كان يعتقد أن فرصته قادمة لا محالة، وأنه ينبغي أن يكون مؤمنا ومتفائلا .
دارت الأيام دورتها، فقد الرجل توازنه الداخلي تدريجيا، وبين الحين والآخر كان ينظر إلى بطالته المزمنة، في كل مرة كان يخاطب نفسه معزيا.
لا بأس، كن متفائلا، في المرة المقبلة سوف تجد عملا بمقابل مادى وليس بالتبرع كما يعلن بعض المسئولين المنعزلين عن مجتمعنا !
وفكر المعلم في الحصول على المعاش المبكر ولكنه فوجئ انه من رابع المستحيلات حصولة على المعاش المبكر قبل بلوغة سن الستين ، فهل سوف يتبرع له مسئولين فكرة تبرع المعلمين بالتدريس بالمجان ام سوف يتبرع له المسئولين عن قانون التأمينات الجديد ، فمن اين له ان يعيش ؟