مكتبة العربي العامة منارة المنوفية العلمية والثقافية

بقلم : عمرو حلمي
تعد مكتبة العربي العامة الكائنة بقرية أبو رقبة مركز أشمون بمحافظة المنوفية واحدة من أهم معالم محافظة المنوفية العلمية والثقافية. والتي تأسست منذ أكثر من 20 عاماً على يد الحاج محمود العربي.
كما تضم المكتبة ألاف الكتب والأبحاث العلمية في كافة التخصصات المختلفة وعلى رأسها مخطوط تاريخ دمشق للحافظ ابن كثير.
والجدير بالذكر أن هذه المكتبة تفتح أبوابها للطلاب والباحثين وكل المهتمين بالقراءة والثقافة يوميا عدا الجمعة من الساعة الثامنة صباحاً حتى السادسة مساءا , ودخول المكتبة مجاني بدون أي مقابل.
وهناك فرع للمكتبة بمسجد الرحمن الرحيم بالقاهرة بشارع صلاح سالم.
ستبقى مكتبة العربي العامة بمثابة الصدقة الجارية على روح صاحبها محمود العربي والذي وفته المنية اليوم الخميس 2 صفر 1443هـ / الموافق 9 سبتمبر 2021م عن عمر ناهز 89 عاماً.
فمن هو محمود العربي صاحب المكتبة ؟
أنه رجل الأعمال المصري المعروف ، وعضو برلمان سابق ورئيس مجلس إدارة مجموعة شركات العربي التي تأسست 1964م والمالكة لتوكيلات عدة لشارب وتوشيبا وسيكو وغيرها.
صاحب مستشفي العربي الدولي أكبر صرح طبي بمحافظة المنوفية.
ولد الحاج محمود العربي، عام 1932م في أسرة ريفية فقيرة بقرية أبو رقبة بمركز أشمون في محافظة المنوفية، توفي والده وهو في سن صغيرة، انتقل بعدها إلى القاهرة، ليعمل بائعًا في محل صغير لبيع الأدوات المكتبية وعمره لم يتجاوز العاشرة، وفى عام 1954 التحق بالخدمة العسكرية لمدة ثلاث سنوات، وفقاً لما ورد في كتاب أطلقه منذ عامين يروي مشوار عمله بعنوان «سر حياتي».
وبدأ العربي التجارة في سن صغيرة جدًا بالتعاون مع أخيه الأكبر، الذي كان يعمل بالقاهرة، وعن تلك الفترة يقول العربي: كنت أوفر مبلغ 30 أو 40 قرشًا سنويًا أعطيها لأخي لكي يأتي لي ببضاعة من القاهرة قبل عيد الفطر، وكانت هذه البضاعة عبارة عن ألعاب نارية وبالونات، وكنت أفترشها على المصطبة أمام منزلنا لأبيعها لأقراني وأكسب فيها حوالي 15 قرشًا، وبعد ذلك أعطى كل ما جمعته لأخي ليأتي لي ببضاعة مشابهة في عيد الأضحى، وبقيت على هذا المنوال حتى بلغت العاشرة، حيث أشار أخي على والدي أن أسافر إلى القاهرة للعمل بمصنع روائح وعطور، وكان ذلك في عام 1942م، وعملت به لمدة شهر واحد وتركته لأني لا أحب الأماكن المغلقة والعمل الروتيني .
بعد ذلك انتقل العربي للعمل بمحل بحي الحسين براتب 120 قرشًا شهريًا، واستمر في المحل حتى 1949م ووصل راتبه إلى 320 قرشًا، بعدها فضل العمل في محل جملة بدلًا من المحل القطاعي لتنمية خبرته بالتجارة، وكان أول راتب يتقاضاه في المحل الجديد 4 جنيهات، وعمل فيه لمدة 15 عامًا، ارتفع خلالها راتبه إلى 27 جنيهًا، وكان مبلغًا كبيرًا آنذاك، حيث تمكن من دفع تكاليف الزواج.
وفي عام 1963م سعى العربي للاستقلال بنفسه في التجارة، لكن لم يكن لديه ما يبدأ به، ففكر هو وزميل له بنفس العمل، أن يتشاركا مع شخص ثري، على أن تكون مساهمته هو وصاحبه بمجهودهما، بينما يسهم الطرف الثاني بأمواله، وكان رأس مال المشروع 5 آلاف جنيه، وهكذا أصبح لديه أول محل بمنطقة الموسكي بالقاهرة، والذي مازال محتفظًا به حتى الآن.
بعد أن بدأ العربي عمله الجديد بثلاثة أيام فقط مرض صاحبه وشريكه لمدة عامين، أدار خلالها المحل بمفرده ونمت تجارته بسرعة كبيرة، فحقق محله أرباحًا تفوق أرباح 10 محلات مجتمعة، واشتهر العربي بأمانته وهي سر نجاحه منقطع النظير
واستمرت الشراكة عامين، ولكن تخللها خلاف حول إخراج الشريك الثالث المريض، وهو ما اعترض عليه العربي، وفي النهاية فضت الشركة، وكان المحل من نصيب الشريكين الآخرين، واشتري العربي وشريكه محلًا آخر، وعاد الشركاء القدامى ليعرضوا عليه محلهم مرة أخرى، وبذلك أصبح يمتلك محلين بدلًا منذ محل واحد ومعه أبناء شريكه المريض، ثم جاء بإخوته جميعًا ليعملوا معه، بعد أن توسعت تجارته، ونجحت الشركة وحولها إلى شركة مساهمة
كانت تجارة العربي تقوم أساسًا على الأدوات المكتبية والمدرسية، ولكن الحكومة قررت في الستينيات صرف المستلزمات المدرسية للتلاميذ بالمجان، وهو ما يعني أن تجارة العربي لم يعد لها وجود، فاستعاض عنها بتجارة الأجهزة الكهربية، خاصة أجهزة التليفزيون والراديو والكاسيت.
وحول العربي تجارته بالكامل إلى الأجهزة الكهربائية في منتصف السبعينيات مع انطلاق سياسة الانفتاح الاقتصادي، وفكر في الحصول على توكيل لإحدى الشركات العالمية، لكن وجود الأدوات المكتبية في محلاته كان يقف حائلًا دون ذلك، إلى أن تعرف على أحد اليابانيين الدارسين بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وكان دائم التردد على محلاته، وكان هذا الشخص الياباني يعمل لدى شركة توشيبا اليابانية، فكتب تقريرًا لشركته، أكد فيه أن العربي هو أصلح من يمثل توشيبا في مصر، فوافقت الشركة على منحه التوكيل.
وفي عام 1975م زار العربي اليابان، ورأى مصانع الشركة التي حصل على توكيلها، وطلب من المسئولين فيها إنشاء مصنع لتصنيع الأجهزة الكهربائية في مصر وهو ما تم فعلًا، على أن يكون المكون المحلي من الإنتاج 40% رفعت لاحقًا إلى 60% ثم 65% حتى وصلت إلى 95%، ومع تطور الإنتاج أنشأ شركة توشيبا العربي” عام 1978م.
وفي عام 1980 كان قد انتخب محمود العربي عضوًا بمجلس إدارة غرفة القاهرة، واختير أمينًا للصندوق، ثم انتخبت رئيسًا لاتحاد الغرف التجارية عام 1995م، وظل رئيسًا لها علي مدار 12 عامًا، واتجه للسياسة لفترة قصيرة عندما أصبح نائبًا في مجلس الشعب عن دائرتي السيدة زينب وقصر النيل في تجربة وحيدة رفض تكرارها عقب ذلك.
تمتلك المجموعة قرابة 12 شركة، هي العربي للتجارة والصناعة، والعربى للصناعات الهندسية، والعربي لصناعة التبريد والتكييف، والعربي لتكنولوجيا الإضاءة، والعربي للصناعات المنزلية، والعربي للمنشآت الذكية، والعربي القابضة للاستثمارات المالية، ومستشفى مركز العربي الطبي، والعربي الدولية التي يبلغ حصتها بها 51%، بالإضافة إلى مساهمة مع كل من الصين واليابان وهونج كونج، وتوشيبا العربي للصناعات المرئية وحصتها بها 49%، وتوشيبا العربي لتسويق الأجهزة المنزلية 49%، وفقاً للموقع الرسمي لها.
كما تملك مجمعين صناعيين في كل من مدينتي بنها وقويسنا، يشملان 18 مصنعاً عاملاً على مساحة أكثر من 386 ألف متر مربع، بالإضافة إلى أنها تعد وكيلاً تجارياً لاستيراد العديد من الشركات العالمية.
حصل الحاج محمود العربي على أرفع وسام ياباني وسام الشمس المشرقة من الإمبراطور الياباني أكيهيتو في مايو 2009م لدوره في دعم وتحسين العلاقات الاقتصادية المصرية اليابانية وقد قام بتسليمه الوسام هيروفومي ناكاسوني باليابانية: 中曽根 弘文 ناكاسونه هيروفومي.
تقام صلاة الجنازة على الحاج محمود العربي غدا الجمعة 3 صفر 1443هـ / الموافق 10 سبتمبر 2021م بمسجد العربي بمسقط رأسه بقرية أبو رقبة عقب صلاة الجمعة حيث يوارى بمثواه الأخير بمقابر العائلة.