سيناء أرض الطائفة المنصورة المرابطة في سبيل الله إلى يوم القيامة

 د.عمرو حلمي


سيناء هي أرض النبوة والفداء, هي أرض البطولة والبلاء, مقبرة الغزاة على مر العصور , إذ تعد سيناء من أفضل البقاع على وجه الأرض بعد مكة والمدينة , فهي مهد الحضارات وأرض الرسالات السماوية على أرضها سار الأنبياء فهي معبر أنبياء الله عز وجل إبراهيم , ويعقوب , ويوسف , وموسى ، فكانت سيناء الطريق الذي ارتبط بخروج موسى عليه السلام من مصر إلى فلسطين.
وعبر سيناء جاءت مريم وابنها المسيح عليهما السلام من بيت لحم إلى مصر قال تعالى : {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَىٰ رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} [المؤمنون(50)].
قال سعيد بن المسيب : إلى ربوة من رُبا مصر قال: وليس الرُّبَا إلا في مصر، والماء حين يُرسَل تكون الربا عليها القرى، لولا الربَا لغرقت تلك القرى.
ومما زاد سيناء شرفا وتعظيما إنها كانت محط رحال الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلة الإسراء حيث نزل من على البراق فصلى على أرضها.
وأما عن مــنــزلــة ســيــنــاء فـي الــقــرآن الـكــريــم
فقد وصفها القرآن الكريم بالأرض المثمرة
قال الله تعالى:{وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ(20)}[المؤمنون آية(20)]
كما أقسم الله بها في أكثر من موضع والله لا يقسم إلا بعظيم
قال الله تعالى : {وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ(2)}[الطور آية 1-3]
قال الله تعالى : {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ (3)}[ التين آية (1-3)]
وسينين وسيناء بمعنى واحد.
وعلى أرض سيناء وقعت معجزة رفع جبل الطور فوق رؤوس بني إسرائيل
قال الله تعالى : {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا} [البقرة آية (93)].
وقال الله تعالى : {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154)} [النساء آية (154)]
قال الله تعالى: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(171)} [الأعراف آية(171)].
قال ابن عباس قوله: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ} يقول : رفعناه.
ومن سيناء كان النداء من رب العالمين لموسى عليه السلام
قال الله تعالى: { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52) } [مريم آية (52)]
كما كلم الله موسى عليه السلام تكليما على أرض سيناء
قال الله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا(164)} [النساء آية (64)].
كما تجلى رب العزة للجبل فجعله دكا .
قال الله تعالى : {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) } [الأعراف آية 142, 143].
ومن هنا كانت سيناء ولا تزال أشرف بقاع الدنيا حيث تشرفت بأنها الأرض الوحيدة في الكون كله التي تجلى لها رب العالمين.
الطبيعة الجغرافية لسيناء
تميزت سيناء بطبيعتها الجغرافية بوجودها بين قارتين, قارة آسيا وقارة إفريقيا , يحدها من الشرق شبة الجزيرة العربية, ومن الشمال البحر المتوسط وبلاد الشام, ومن الجنوب البحر الأحمر، وقد ثبت جغرافيا أن سيناء تتوسط المنطقة العربية فهي في قلب العالم العربي والإسلامي, ولذا كانت مطمع الغزاة على مر العصور, كما كانت كذلك مقبرة الغزاة على مدار التاريخ وما حدث في يوم العبور ليس ببعيد.
ومن أهم المعالم الطبيعية والجغرافية التي تميزت بها سيناء :
جبل الطور الذي تجلي له رب العالمين, وعيون موسى وكذلك من المعالم التاريخية التي تتميز بها سيناء دير سانت كاترين.
كما يعد طريق المحمل أحد الطرق الرئيسية للحج إلى الأراضي المقدسة في الحجاز إلى جانب طريق من البحر الأحمر إلى جدة وقد استخدم هذا الطريق للحج منذ سافرت شجرة الدر عام 1248م مع قافلة إلى مكة عن طريق سيناء ، ولم تكن مراسم المحمل معروفة حتى عام 1266م عندما بدأ الملك الظاهر بيبرس إرسال محمل يصحب الحجاج عبر ذلك الطريق التاريخي.
إخبار القرآن الكريم والسنة النبوية بأن أهل سيناء هم الطائفة المنصورة المرابطة في سبيل الله إلى يوم القيامة
قال تعالى : {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ(44)}[القصص(44 – 46)] , فالجانب الغربي : يعني غربي جبل الطور , حيث يقع جبل الطور في الجهة الغربية للمدينة النبوية.
هذا وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الطائفة المنصورة مقرها سيناء بصفة خاصة ومصر بصفة عامة
يقول رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كما في «صحيح مسلم» : «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».
قال السيوطي في كتابه «الديباج على مسلم» : «فهذه منقبة لمصر في صدر الملة واستمرت قليلة الفتن معافاة طول الملة لم يعترها ما اعترى غيرها من الأقطار وما زالت معدن العلم والدين ثم صارت في آخر الأمر دار الخلافة ومحط الرحال ولا بلد الآن في سائر الأقطار بعد مكة والمدينة يظهر فيها من شعائر الدين ما هو ظاهر في مصر».
وبناءاً على ما سبق ذكره فتكون سيناء مقر الطائفة المنصورة وجيش مصر العظيم المرابط فيها هو الطائفة المنصورة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

زر الذهاب إلى الأعلى