محمـــد الدكـــرورى..يكتب..المؤمن بين الحياة والموت “جزء 1
إن زوال الكون أهون على الله تعالى من أن تتبدل كلماته، ومن أن تعطل قوانينه، ومن أن تجمّد سننه، ومن أن يُلغى وعده ووعيده، ولكن كلما رأيت وعدا لم يقع فعليك أن تشك في إيمانك وتشك في إسلامك، وتشك في استقامتك، فإذا رأيت هذه الوعود لم تتحقق ، فتيقن أن هؤلاء الذين أرادوا من هذه الشجرة أن يأخذوا ثمارها، وأن يأخذوا ظلها، وهم بعيدون عنها، هذا أمر لن يتحقق، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، فإن الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني.
فإنه في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة، كان المرض قد اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسرت أنباء مرضه بين أصحابه ، وبلغ منهم القلق مبلغه واشتد الوجع برسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا فاطمة فسرها أنه سيقبض في وجعه هذا ، فبكت لذلك، فأخبرها أنها أول من يتبعه من أهله، فضحكت واشتد الكرب برسول الله صلى الله عليه وسلم، وبلغ منه مبلغه فقالت فاطمة وا كرب أبتاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا كرب على أبيك بعد اليوم” وأوصى وصيته للمسلمين وهو على فراش موته فقال “الصلاة الصلاة ، وما ملكت أيمانكم” وكررها مراراً، واشتد الألم برسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجعل يدخل يديه في ركوة فيها ماء ، فيمسح وجهه بالماء وهو يقول “لا إله إلا الله إن للموت لسكرات” ثم شخص بصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحركت شفتاه قائلا “مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى” وفاضت روح خير خلق الله، ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات من أرسله الله رحمة للعالمين مات من أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، فإنا لله وإنا إليه راجعون، إنه الموت يا عباد الله، الذي لا مفر منه ولا مهرب، لا يعرف صغيرا ولا كبيرا، ولا ذكرا ولا أنثى.
ولو نجى منه أحد لنجى منه أنبياء ورسله وصفوة خلقه، ولكنه قدرا مقدورا، ففروا إلى الله أيها الناس واعتصموا بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتوبوا إليه سبحانه فهو الغفور الرحيم، وتداركوا أنفسكم قبل فوات الأوان، قبل أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين.
ولما حضرة الوفاة الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رحمه قال لبنيه يا بني إني قد تركت لكم خيرا كثيرا، لا تمرون بأحد من المسلمين وأهل ذمتهم إلا رأوا لكم حقا، يا بني إني قد خيرت بين أمرين، إما أن تستغنوا وأدخل النار, أو تفتقروا وأدخل الجنة، فأرى أن تفتقروا إلى ذلك أحب إلي, قوموا عصمكم الله، قوموا رزقكم الله، قوموا عني.
هكذا أقبل عمر بن عبد العزيز على الله خائفا وجلا من يوم التلاق فأكرمه ربه بالثبات يوم الممات، فقال تعالى ” ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم.