د.سحر السيد ..تكتب..قواعد العشق الأربعون
قواعد العشق الأربعون عندما تقرأ هذا العنوان للمرة الأولى قد تعتقد كما اعتقدت أنا أيضاً بأنها ربما مجرد قواعد في ما هو الحب أو العشق أو حتى الجنس، ولكن ما إن تبدأ في قراءة هذا الرواية حتى تذهب بعيداً إلى عالم الصفاء والنقاء الروحاني، فمنذ صدور الرواية عام 2009 حتي الأن لاقت تقديراً كبيراً واستحساناً منقطع النظير ودخلت إلى قلوب معظم القرَّاء، وقد كانت من أكثر الكتب مبيعًا على الإطلاق خلال الفترة الماضية وبيعت أكثر من 550,000 آلف نسخة في تركيا، نظراً للأسلوب المشوق للكاتبة اليف شافاق الذي لا يشعرك بالملل و تنقلك بين الأزمنة والأحداث بسلاسة دون أن ترتبك، كما وصفت الرواية من النقاد والكتاب بأنَّها قادرة على تغيير حياة الأشخاص بشكل إيجابي نظراً للمواضيع التي تطرقت إليها الكاتبة دون تردُّد. فموضوع الرواية كما ذكرت الكاتبة هو الدعوة إلى الحب والتسامح واكتشاف الدين بشكل جديد، كما تدور أحداث الرواية في فلك الروحانيات التي لا تنحصر بدين أو عرق معين، والتي تدعو إلى التسامح المطلق والإخلاص والحب الإلهي بالإضافة إلى الحب في كلِّ شيء حتى الرمق الأخير. وقد تجد في الرواية لوحات متعددة لشخصيات من زمنين مختلفين الأول من خلال شخصية إيلا وعائلتها الذين يعيشون في ولاية ماساشوستس في الزمن الحاضر، والثاني في القرن الثالث عشر الميلادي حيث يلتقي شمس التبريزي بتوأمه الروحي جلال الدين الرومي. وتستمر أحداث الرواية من خلال قصتين متداخلتين، القصة الأولي عن حياة “إيلا” اليهودية الأربعينية الغير سعيدة في زواجها والتي تعمل كناقدة في وكالة أدبية، وكانت مهمتها الأولى هي نقد قصة ( الكفر الحلو ) للكاتب عزيز زاهارا لكن تعجب إيلا بالقصة وكاتبها، والذي فتح أمام عينيها أبواباً كانت موصده وأطلقت سراح مشاعرها تجاه حب الله ومخلوقاته، حيث تنقلنا معها أثناء قراءتها لرواية ( الكفر الحلو) للقصة الثانية وهى قصة جلال الدين الرومي مع شمس التبريزي، والتي تدور أحداثها في القرن الثالث عشر الميلادي، حيثُ تبدأ مع الإمام الصوفي شمس الدين التبريزي الذى شاهد في أحلامه رؤيا بأنَّه سوف يموت، ويبدأ برحلة بحث طويلة عن رجل الدين الصوفي جلال الدين الرومي، الذي كان آنذاك يقيم في بلدة قونية، وكان عالم دين جليل وخطيب شهير، يتوافد الناس لسماعه من كل مكان، ولكنَّه غير راضٍ عن حياته أيضًا لفقدانه الحب وقيمه الصوفية، ولهذا السبب كان يبحث عنه التبريزي ليخرجه مما هو فيه إلى عالم التصوُّف والحب، وليكتشف الدين من جديد بأسلوب وأفكار مختلفة عن المعتقدات التقليدية, وتحتوي الرواية بالإضافة إلى القصة الرئيسة على أربعين قاعدة من قواعد شمس التبريزي، التي تقدّم نظرة ثاقبة للفلسفة القديمة التي قامت على توحيد الناس والأديان، ووجود الحب في داخل كل شخص منا. لا شك أن رواية قواعد العشق الأربعين هي رحلة أدبية ساحرة وممتعة، ولكنها لا تخلو من الخيال، مثل كيف يستطيع الصوفي شرب الخمر، والرقص كتعبير عن الزهد، وبحثاً عن الانسجام الروحي والولوج في ماهية العشق الإلهي، وكيف يعتبر الصوفي أن النية هي الأهم في الأعمال لا ظاهرها.
وأيضاً قد تطرقت الرواية لبعض الأفكار الجدلية، كالعشق الإلهي ليس حكراً على فئة من البشر، ومفهوم الجهاد في الدين، واستنكار الفكر الديني التقليدي، إلا أنها تجربة جميلة، وتنبع أهميتها من نبذ التطرف الديني، والأخذ بباطن الأمور لا ظاهرها، والأهم من ذلك كله، الحب الذي تدعو إليه في كل ثنية من ثنايا فصولها، ولكن عزيزي القارئ عليك الحذر عند قراءتها من فرط العاطفة التي تطغى بداخل الرواية.
وبالرغم من ذلك فقد برعت الكاتبة في إسقاط زمن جلال الدين الرومي، على عصرنا الراهن الذي تسود فيه الحروب والكراهية والنزاعات السياسية والصراعات الأيديولوجية والفكرية، وانتشار التشدد والتعصب والكراهية والعنف والحروب والخوف والقلق، بدلاً من المحبة والطمأنينة والتسامح والسلام ومعرفة ثقافة الآخر، فالرواية كما أسمتها المؤلفة، ترنيمة جماعية من أجل النفس وقهرها في نهاية الأمر كما فعل جلال الدين الرومي قبل 800 عام.