سيد المدينة.. قصة قصيرة
ليبيا/عوض الشاعري
رأيته يجلس على كرسي مهتريء بأعلى ربوة بمنتصف المدينة، بعباءته الرثة وشاربه غير المهذب كطاووس هرم، رغم التجاعيد الناتئة في وجهه والتغضنات البارزة في رقبته الطويلة التي تشي بطول سنوات عمره التي تجاوزت العد…
رغم منظره الذي يدعو للرثاء والسخرية معاً كانت نظراته توحي بالعته والبلاهة أحيانا ثم سرعان ما تتحول إلى خارطة ملغزة يصعب استكشاف دروبها الموغلة في التشابك والتشعبات، اقتربت منه فلم يعرني أدنى اهتمام، حاولت أن أقترب أكثر صدمني بعدم اكتراثه، كانت ملامحه المستفزة هي سيدة الموقف…
اقتربت أكثر حتى تقلصت المسافة بيننا إلى عدة خطوات، كان يراني.. لا شك إنه يراني فهو ليس كفيفاً على أي حال.. يتضح ذلك من خلال تجول عينيه ومسحه للمكان ببصره دون أن يأبه لوجودي أو يهتم بوقوفي وأنا القريب منه لدرجة أنني كنت أسمع زفير أنفاسه بتتابع، بل كنت أحس بصهدها يلفح يدي التي توازي جلسته الطاووسية التي يتقنها تماماً…
كنت أستغرب أن المارة لا يتوقفون، الجميع يعبر الطريق على عجل ولا ينظر تجاهي، حتى الأشخاص الذين أعرفهم تمام المعرفة كانوا ينظرون في الاتجاه الآخر وكأني غريب ليس عليهم الالتزام تجاهي بإلقاء، ولو مجرد تحية عابرة بصوت خفيض أو هزة سريعة بالرأس-، أو حتى مجرد إيماءة برفع الحاجبين وخفضهما كما تعود أبناء مدينتنا في مثل هذه الظروف…
كانت الحيرة تهيمن على مخيلتي وهو يمد يده ليمسك بيدي في إشارة: أن اجلس !!.. لا أدري لماذا وجدتني انساق وراء أوامره بتلقائية ودون أي اعتراض.. كنت فقط أنظر لوجهه الغريب وهو يخرج من بين ثنايا معطفه البالي وريقات كأنها جمعت من على رصيف الشارع مكتوب عليها (أخبار الأحزان) وراح يتصفحها بنهم، ثم نطق قائلاً: أنت خير جليس لي هذا المساء.. يطيب لي أن تكون نديمي.. فأنا سيد هذه المدينة