الحكم بمنع شرب القهوه فى الأماكن العامه و وضع عقوبه لمن يخالف القانون
د..سحر السيد
لم يتردد السلطان مراد الرابع في قمع عادة كان يعتقد أنها تثير انحطاطًا اجتماعيًّا واضطراب في عاصمة خلافته إسطنبول, وكان يعتقد أن اعتياد الناس عليها سيؤدى إلى فوضى وزوال حُكمه, إلى الحد الذي دفعه إلى إعلان أن مرتكبيها يجب أن يقتلوا على الفور, كما ذكرت بعض الروايات أن السلطان مراد الرابع كان يتجول في شوارع إسطنبول متخفيًا, لقطع رأس أي شخص يجده متورطًا في هذا النشاط الغير مشروع, «فما الذي اعتبره مراد الرابع جريمةً تستحق الإعدام؟ انه شرب القهوة في الأماكن العامة!. فبرغم من غرابة الأمر، لم يكن السلطان مراد الرابع الوحيد الذى حارب شرب القهوة. فمنذ تولية الحكم وهو في الحادية عشرة من عمره, كان يسمع مراد كلاماً مرعباً حول القهوة يتناقله الوزراء والخدم في القصر, حيث أكد بعضهم أضرارها على الجسم, بينما ذكر البعض الآخر دورها السام في التأثير على الناس وتأجيج كراهيتهم للسلطان, ولهذه الأسباب حمل مراد الرابع منذ صغره كرهاً شديداً للقهوة, وتزايد حقده على القهوة أكثر فأكثر, بعد أن نقل إليه أحد وزرائه تقريراً خطيراً حول دور القهوة في زيادة غضب الناس ودفعهم للتخطيط ضد النظام, فعلى قدر غرابة الأمر, إلا أن مراد الرابع لم يكن أول أو آخر شخص يحارب شرب القهوة, لكنه كان الأكثر وحشية ونجاحًا في جهوده. ومنذ ذلك الحين أصبح منهج يتبعه اغلب السلاطين العثمانيين بمساندة كلاً من القادة الدينيين والعلمانيين على حد سواء. و برروا ذلك بأن آثار القهوة على العقل تشبه تأثير المخدر, وبدا أن معظمهم بما في ذلك مراد الرابع, يعتقدون أن تجمع الناس في المقاهي من اجل شرب القهوة يمكن أن يؤدي إلى تآكل الأعراف الاجتماعية، أو تشجيع الأفكار المناهضة, بل وحتى إثارة المؤامرات على الحكم بشكل مباشر.
ولم يقتصر ذلك الفكر على الدولة العثمانية فقط، بل امتد إلى دولة أوروبا المسيحية، فكان علماء الدين الإسلامي المحافظين يعتقدون أن أي جديد لم يكن موجود في زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو بدعة وحرام ويجب محاربته. ولم يقتصر هذا الأمر على علماء المسلمين فقط، بل طلب أيضاً رجال الدين المسيحي من البابا في أوروبا أن يحرم شرب القهوة بوصفها نبات شيطاني, وان شاربها كالمخمور وان المقاهي وكر للمنكرات مثل القمار والبغاء. وقد وجد العديد من الحكام في هذا الطرح الديني مبرراً لقمع الناس ومنع أي تجمعات من شأنها إحداث رأى عام ضد فساد وظلم الحكام. وليس هناك افضل من الدين لكي يكون غطاء لقمع أي رأى, نظراً لان المجتمع متدين بفطرته وان من سيعارض رأى الدين يعد عاصي أو حتي كافر. ولذلك فقد تسلّح الملوك والسلاطين بالفتاوى الدينية التي أصدرها الفقهاء لتحريم القهوة، فكانت حجتهم أنها تسمم الروح والجسد, ولكن بعض المتتبعين لتاريخها وجدوا أن حظرها يعود لأسباب سياسية, ففي المقاهي يتجمع الناس وتدور النقاشات والأحاديث, وفيها تفشى الأسرار, ومنها تنطلق الثورات والتظاهرات, ولأن القهوة لها مفعول كيميائي سحري فلهذا فهي مصدر قلق لقدرتها على تنشيط الخيال والأفواه معاً.
وفيما أنت ترتشف فنجان قهوتك لتهزم صداعاً يفتك برأسك, أو ربما لتضفي على جسدك المنهك نشاطاً وحيوية, تذكر أن أجدادنا قطعت رؤوسهم وسحلت أجسادهم, لا لذنب أو حرام ارتكبوه, بل لأنهم شربوا القهوة!. ومع ذلك فقد انتصرت ثقافة القهوة ضد التيار الديني والسياسي, والان نحن نعيش في عالم ستاربكس.