عبير ضاهر تكتب.. شهرة مع عَتبة المراهقة
فرنسواز ساجان الأديبة الفرنسية صاحبة الموهبة المتقدة والتى كتبت فى 32 ليلة روايتها التى شهدت على مولد أديبة من طراز رفيع وبيع منها مايقرب من مليون نسخة لتنطلق مسيرتها في عالم الأدب كل هذا وهي لم تتجاوز التاسعة عشرة من عمرها بعد ,من خلال روايتها الأولي “صباح الخير أيها الحزن ” والتى حُولت إلي فيلم سينمائى بعد صدورها بأربع سنوات وبعدها كتبت رواية أخري لم تلق نفس النجاح ولكنها ظلت تكتب ويصدر لها في كل عام رواية جديدة حتي وصل عدد ما كتبت إلي أكثر من 40 عملا بين رواية وقصة قصيرة ومسرحية كما كتبت كلمات أغاني وسير ذاتية عن حياتها هي ,فقد كتبت “إبتسامة ما , المرأة الشاحبة,فجر ساكن ,المزيفون ,نوبة الإستسلام ,الفاتنة ,وجه مفقود, امرأة علي حافة الأربعين ,حارس القلب ,متعبة من الحرب , ومن المسرحيات كتبت قصر في السويد ,المدخل المعاكس,بيانو علي العشب , الكلب الراقد ,السحب العجيبة
وقد تم تحويل عدداً من كتاباتها إلى أفلام سينمائية في فرنسا وهوليوود حيث تسابق المنتجين السينمائين علي شراء بعض كتاباتها لتحويلها إلي أعمال سينمائية مثل إبتسامة ما , السحب العجيبة, وهل تحب برامز؟ وهي الرواية التي تحمل عنوان “امرأة علي حافة الأربعين ” من بين روايات ساجان
كما ولها ثلاثة كتب حملت طابع السير الذاتية بعنوان ” ندوب الروح , “مع أفضل ذكرياتي” والتى أختارت فيها أن تكتب عن ذكرياتها السارة فقط
أما عن نشأتها فكانت فرنسواز طفلة ذكية ولكن متهورة وطائشة, وأدي ذلك إلي تعرضها للطرد عدة مرات من المدرسة وقضت عدة سنوات في دير كاثوليكى حتي حصلت علي الشهادة الثانوية وفي عام 1959 لم تُوفق في إجتياز إمتحان القبول في جامعة السوربون العريقة وذلك بسبب ولعها بالحياة الصاخبة في ملاهى الحي اللاتينيى في باريس وبعد عزلة لأيام تعدت شهرا خرجت بروايتها الأولي التى رسمت لها طريق الإنطلاق إلى الشهرة ولخارج حدود فرنسا لتحقق شهرة عالمية والتى لم تكن قد بلغت السن القانونية التى تسمح لها بالتوقيع علي عقد الرواية مع الدار فقام والد بالأمر عنها بأسم أخر عن لقب الأسرة فكان من كواريه إلى ساجان والمفارقة إنه قيل أنها لن تستطيع أن تكتب بعدها ثانية ولكنها ظلت تكتب إلي النهاية محرزة مستوي متصاعداً من النجاح والشهرة
ويمتاز أسلوب فرنسواز في الكتابة باللغة الموسيقية فجملها قصيرة وواضحة ورشيقة ورنانة فهي وكما صرحت بذلك تعشق الكلمات ولبعضها تأثر ساحر عليها , إنعكس إيقاع حياتها في كتاباتها مدللاَ عن روح مقبلة بقوة علي الحياة متجددة الإشراق لاتذبل أو تشيخ ,تفضل الكتابة طوال الليل, ولم تخرج فرنسواز علي التقاليد
الكلاسيكية رغم ظهور تيار الرواية الجديدة وهيمنته في الوسط الأدبى الفرنسي , لتنطلق في جرءة شديدة وقناعة مطلقة في الحرية عن التعبير وإزاحة الحدود ورفض الممنوع والمحظور في تصريحات ومواقف متعلقة بها هذا بجانب كتاباتها والتي بها استعراضت أفكارها وجوانب من تجاربها الحياتية والعاطفية تحذو في ذلك حذو أدباء كبار غيرها قاموا بالكتابة عن تجاربهم العاطفية مثل ستاندال في روايته الشهيرة”الأحمر والأسود” وجوستاف فلوبير في “التربية العاطفية” ولقد أخذ الحب حيذاً كبيراً فى كتاباتها ومختلف المشاعر الإنسانية في العلاقات العاطفية مثل الفراق والهجر والخيانة و عن العلاقات العاطفية المضطربة داخل الأوساط الإجتماعية البرجوازية أمام أبواب الحرية المشرعة أمام المرأة حينها وحالة الحيرة والقلق والرهبة التى إكتنفت نفوس غالبية نساء المجتمع الفرنسي , وتزامن ظهورها مع
إحتدام معارك فكرية بين الأدباء الفرنسيين من أجل إعادة المسرح التقليدي وبدأت تظهر بوادر حركة روائية ومسرحية جديدة فقام مجموعة من الأدباء يشيدون بمبدأ الإقبال علي مباهج الحياة والتخلص حالة الإستياء واليأس والخوف والتشاؤم وأجواء من المشاحنات والمواجهات والتربص والغضب التي كان يئن منها الأدب الفرنسي وقتئذ فكانت وسيلتهم هي كتابة روايات وقصص قصيرة تجمع بين البساطة والرقة وتنادي بالتحرر والتفاؤل مكرسين للنزعة الفردية التي تنشد تعزيز وجود الإنسان هادفة إلي حب الذات والسعي لتحقيق حظ وافر من السعادة للإنسان
وأختارت فرنسواز وسارت في هذا الاتجاه وعلي هذا الخط حتي ارتبط فنها الروائي بهذا التيار المتحررفكان أسلوبها بسيط وبعيد عن التعقيد والتكلف ومع شهرتها المبكرة لم تصب بداء الغرور المدمر لروح الفنانين الموهوبين لتصبح أحد أبرز الشخصيات الأدبية فى منتصف القرن العشرين
ومن مواقفها البارزة فى مسيرتها توقيعها مع 122 مثقفا فرنسيا علي البيان السياسي المعارض والذي يدين ممارسات فرنسا في الجزائر ولدعم حق الجزائر في حق تقرير مصيرها كما شاركت في مظاهرات الطلبة بعام 68 19 مشاركة فى ذلك كبار الأدباء والفنانين اليساريين وكان هذا في الفترة التي شهدت إفراطها في تناول الكحول ولعب القمار وإفراطها فى التدخين وتتلعثم إذا تحدثت تغطى الصحف المختلفة صورها وأخبارها بالإضافة إلي ولعها بالسيارات والقيادة السريعة بصورة جنونية حتي كادت تفقد حياتها مرةَ في حادث مروع وقع لها وبعد الخضوع لفترة العلاج عادت لتستغرق في الكتابة بشغف أكبر وإقبال مضاعف علي الحياة فراحت تشتري السيارات بماركات مختلفة تحيا في ترف و بذخ ورغم أنها كسبت أموالاً طائلة من ألاف النسخ التى بيعت من رواياتها وأعمالها إلا أنها وأمام طابع حياتها الموغل فى الرفاهية تكرامت عليها الديون والضرائب التى لم تستطع الوفاء بتسديدها حتي بلغ الأمر إلي أن يصدر عليها حكما وسط مطالبات بإسقاط ديونها إسوة بأخرين تم إسقاط الضرائب عنهم ولم يكن أياً منهم مثلها وحجم موهبتها وعطائها الأدبي .
وعن فلسفة فرنسواز الخاصة حول الكتابة قالت : “أن يكون ما تكتب مصدر فرح لكل من يقرأه أو مبعثاً للراحة ولو لعدد قليل من البشر”
ومع ما حققت و نالت من شهرة واسعة تقول :
“أعتقد أن هناك خمسة أو ستة أشخاص يقرؤن كتبي ومما قد يبعث لديهم الإحساس بالراحة أن هناك صوتاَ يحمل مايمكن أن يجلب حلا مريحاَ إلى هذه الدرجة أو تلك أو حلا هادئاَ أو شاعرياَ لمشكلاتهم وهذا بالتحديد ماينبغي علي الكاتب أن يسعي إليه ”
وأيضا: “كنت دايما أريد أن أعيش وأكتب وأنني أدفع ثمن ذلك ” .. حيث ابتعد عنها المقربون منها عندما تأخرت عافيتها وأصحبت طريحة الفراش
وكان من بين الشخصيات الأقرب إليها الفيلسوف جون بول سارتر الذى ظلت صداقتهم إلي وفاة سارترالذى قالت عنه:
“أنه كان من أكثر الناس قربا إلى قلبى واحببته أكثر من الجميع ”
وكم شكلت العزلة عض موضوعات أعمالها المحببة إليها وطالما أثنت عليها وامتدحتها بأعمالها لتقول عنها:
“لقد تعلمت العزلة وأوليها تقديرا كبيرا وغالبا ما احس بأنني وحيدة وسط مجموعة من الأصدقاء أحب أيضا هذا النوع من العزلة”
وعن الحزن قالت:
“إنيّ أتردّد فى أن أضع إسما لهذا الإحساس المجهول حيث يتملّكنى الضّجر والعذوبة ,أتردد فى أن اطلق عليه الإسم الجميل الوقور ..اسم الحزن ,إنه إحساس من الشموليّة والأنانيّة حتّى إني أكاد أشعر بالخجل منه , ذلك أن الحزن كان يبدو لى دائما أمرا جديرا بالإحترام ,لم أكن أعرفه..بخلاف الملل والحسرة وشيء يسير من الندم , واليوم شيء ما يحتويني كالحرير شيء مزعج وعذبّ يفصلنى عن الآخرين”
ربطتها علاقات الصداقة مع ألمع شخصيات عصرها من رموز السياسة والأدب والفن ونجوم السينما وبخاصة الرئيس الفرنسي الراحل ميتران الذى نعاها متأثرا لرحيلها والتي كانت ترافقه ضمن وفده فى سفرياته الخارجية حول العالم
قدمت أخر عمل لها فى عام 1996 وذلك قبل رحيلها بثماني أعوام وقد بيع من كتبها نحو 30 مليون نسخة فى فرنسا وحدها
ولم تكن تهتم بالجوائز والمراكز وكانت ترفضها أحيانا وربما يعود ذلك لتذوقها النجاح والشهرة وتحقيق الثروة مبكراً
تزوجت فرنسواز مرتان الأولي كانت من الناشر الفرنسي كي شولر وفى المرة الثانية بالنحات الأمريكي روبرت وستهوف الذى أنجبت منه ابنها الوحيد يانيز .
ولدت فرنسواز كواريه فى عام 1935وتوفيت في 24 سبتمر عام 2004 وفور وفاتها خرجت الصحف ووسائل الإعلام الفرنسية تتناقل الخبرالذى خلف حالة من الحزن البالغ بين قرائها وعشاق أعمالها السينمائية والمسرحية ومحبيها , وبعد أربعة أعوام من وفاتها و في 2008 قُدم عملا سينمائياً عن مشوار حياتها تم عرضه في فرنسا و قامت بدور البطولة فيه عن فرنسواز الممثلة الفرنسية سيلفي تستود يحمل أسم ” ساجان” .