عمرو البحيري .يكتب المستقبل المعاق
أثمر تعلق المواطن المصري شبه المطلق بالدخل المضمون للوظيفة الحكومية أو الخاصة، الذى لا يسد احتياجاته نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية الدائرة لعهود طويلة، والمثمرة لفردا غير مؤهلا، بدون امكانيات، ضعيف القيمة وكثيرا غير موهوب، ولكنه يضطر لتنويع مصادر دخله، باعمال وخدمات خارج آليات العرض والطلب، فيضيف نقودها لدخله المضمون لمواجهة ظروف الحياة.
المعضلة الحقيقية؛ ان المناداة بتحرير دخل المواطن مُطلقا، سيُوقع اغلب المواطنين باختبارات الآلية الشرسة لسوق العرض والطلب بالمرحلة القادمة لنهايات الربع الأول من القرن 21، إن خطوات إعداد مصر لتكون مركزا عربياوأفريقيا منافسا بالأسواق العالمية، سيجعل العنصر البشرى مع تمنى تحسن الأحوال ـ بمواجهة صادمة مع متطلبات وشروط طلب العمل أو الخدمات وفقا للمعايير الدولية!
للمصرى تركيبة خاصة طبقا لمنظومة التعليم والإعلام والتدريب المتوارثة، تركيبة تجمع الذكاء الفطري، مع التعليم الهش، مع التدريب النظري، مع الإمكانيات المحدودة، وتمزج الكل ببوتقة مصرية خاصة تعرف بالفهلوة والشطارة، النتيجة اقتناع المصرى بقدرته لعمل وبلورة واختراق أى شيء، وحقيقتها ضعف محصوله المعرفى وتشتت وعيه الثقافى الإعلامى وافتقاده لتدريب حقيقى مثمر بنتائج محددة.
عندما أقول “المصري” أقصد كل فرد ينخرط بمنظومة التعليم المصري، ويشاهد التلفاز والفضائيات ويتعاطى منصات التواصل الاجتماعي، ويتخذ شهادات التدريب كمسوغ تعيين فقط.
وبالتالى ما المتوقع عند فتح الأسواق، وبزوغ استثمارات، واستغلال الآخرين لموقع مصر وبنيتها التحتية المطورة ويطلبون عمل أبنائها؟ لو استمر اقتحام الفرد لمجالات تنويع وزيادة دخله بدون ضوابط وبدرع الفهلوة، فلن تصل قيمة دخله النقدى لمرتبة تساوى قيمة الاستثمارات المتدفقة لمصر، وللأسف سيظهر كالمتطفل على الأغراب.
للأسف؛ آليات السوق للعرض والطلب المستقبلى حتما ستطلب؛ التخصص، الجودة، الانضباط، التطوير الذاتي، الوعي، الدقة، احترام مفهوم الزمن، التزام فريق العمل، تقبل الآخر، الموضوعية الفكرية والدينية والثقافية. تحدد هذه المتطلبات عرض وطلب خبرات الفرد بالأسواق العالمية وبدورها تُشكل أنواع وقيم دخله وأى مصادر أخرى يعتمدها لسداد التزاماته الحياتية بعدالة.
تحرير دخل المواطن ؛ هى مبادرة قومية لإعادة النظر بمثلث مصدر الدخل الحقيقى للفرد، ألا وهو التعليم والإعلام والتدريب. بضبط أضلاع المثلث، سيتحقق لنا مُنتج بشرى جديد، قابل للمنافسة طبقا لآليات العرض والطلب العالمية.
يلاحظ أن المطالبة بتحرير دخل الجيل الحالى ، سيكون غير موضوعي فللأسف الإفرازات الحالية للتعليم _المحتوى التعليمي، منهجية التعلم، ميزانيات التعليم، إنتاج المُعلمين، قيم المُتعلمين والتدريب وخطة الدولة، مراكز تحت السلم والشهرة، ضعف التوعية بمفهوم التدريب والميديا الفن المرئى والمسموع، منصات التواصل الاجتماعي، الإعلام ، ضربت بمقتل 3 أجيال على الأقل، الأمل الحقيقى تصميم منظومات معالجة جديدة، تتبنى مواليد الجيل الجديد ضمن خطة قومية حقيقية لإنتاج مواطن مصري، مؤهل لمصادر دخل حقيقية بضوابط ومتطلبات آليات السوق العالمية.
كذلك؛ فمن الصحى لمنظومة المعالجة الجديدة اعتبار وتقسيم المصرى الحالى للفئات العمرية من 22 لـ 45، بمحاولة عمل تصحيحات موضوعية بمنهجية التعليم ورسالة الإعلام والمحتوى الثقافى والإعلامي، ونحت فن مشوه وثقافة مبتورة. تحرير دخل الفرد الحقيقى يكون بتدخل الدولة كأم واعية تستدرك مصالح أبنائها الفاسدين والعاقين والمشتتين والمُضللين والضالين، فلا يصلون لمرحلة المغضوب عليهم المستحقين العقاب.
تحرير دخل المواطن ، سيكون بتأسيس معنى جديد للفرد، يستهدف معالجة أُسس تكوين وعيه وقيمه ومعلوماته وسلوكه، بما يثمر تحرير وعيه الجمعى بمشاكل مجتمعه وتنميته ودور الدولة ودوره بنهضتها، لينعكس حتما على عمله وقيمه وسلوكه بمنظومة العرض والطلب الجديدة.
قد يُبدأ ذلك بإطلاق مشروع قومى للمصرى الجديد، مدته 20 سنة ـ موازيا للنظم الجارية ـ ويُنفذ مكانيا بسيطرة واعية، بأحياء كاملة متكاملة بالعاصمة الإدارية والمدن الجديدة مثل تجارب المدارس التجريبية والنموذجية ولكن بمنظومة شاملة لا يلوث فيها محل التجربة بمثلث الضعف الحالي، ببساطة تخطيط لمجتمع جديد ينتج جنودا مستقبليين.
الأمل فى تبنى نُظم خبيرة تستهدف التنظيم البشرى لمواجهة المستقبل، بغير ذلك فتحرير دخل المواطن المصري ينتظره مستقبل مُعاق، ولن يصمد أمام آليات عرض وطلب قادمة حتما، وستلفظ الفهلوة المصرية الأصيلة.