سعيد جويد يكتب:المعلم كما صورته الدراما المصرية
قدمت السينما المصرية على مدار أكثر من نصف قرن صورة مشوهة باهتة للمعلم فهو من وجهة نظر الكثير من صنّاع السينما،شخص ساذج أومختل عقليا، فعلى سبيل المثال قدمت السينما المصرية سنة 1949 الفيلم الشهير “غزل البنات” للمخرج والممثل “أنور وجدي”، وقام فيه الممثل الكوميدي “نجيب الريحاني” بدور مدرس اللغة العربية الأستاذ “حمام” صاحب الثياب البالية والمنديل القديم الممزق الذي يسخر منه طلابه، وفي بداية الستينات قدم المخرج “طلبة رضوان” فيلم أخر بعنوان” السفيرة عزيزة” قام فيه الممثل الكوميدي الراحل “عبد المنعم إبراهيم” بدورمدرس اللغة العربية الأستاذ “حكم” الذي يتحدث بالفصحى بمناسبة وغيرمناسبة، وهكذا اعتادت الشاشة الفضية دائما على تقديم مدرسي اللغة العربية الفصحى بهذه الصورة الساخرة بالرغم من كونها لغة القرآن ولغة التراث الثقافي العظيم، ولم يسلم مدرسي اللغة الإنجليزية أيضا من خيال بعض صنّاع السينما المريض حيث قدم المخرج الراحل “حسن الأمام” فيلمه المعروف” زقاق المدق” وقام الفنان الكبير “حسين رياض” بدور معلم اللغة الإنجليزية المختل عقليا الذي يردد عبارة ” “أنا قلت لمعالي الوزير إني رسول الله إليك بكادر جديد،أمّا في فترة السبعينات قام المخرج سعيد مرزوق من خلال أحداث فيلمه الشهير ” المذنبون” بتقديم شخصية ناظر المدرسة ولكن من زواية أخرى حيث يضطر الناظر بسبب الفقر والحاجة إلى بيع أسئلة امتحانات نهاية العام في مقابل حفنة من الجنيهات.
كما لعب المسرح أيضا دوره في نشويه صورة المعلم من خلال الأعمال المسرحية المشهورة مثل مسرحية ” السكرتير الفني” لفؤاد المهندس الذي لعب شخصية الأستاذ أيوب المدرس صاحب البنطلون القصير المضحك ومسرحية “مدرسة المشاغبين” في السبعينات.
أرجو أن يدرك القائمون على صناعة الأعمال الدرامية التأثير القوي للإعلام على وجدان الجمهور، والفن النظيف هو الذي يرتقي بالذوق العام للمشاهد من خلال أعمال راقية هدفها الثقافة والتنوير وتبسيط المفاهيم الفلسفية العميقة، والأفكار الهادفة التي تساعد على تنمية وتطوير المجتمع وتوصيلها للجمهور بطريقة جذابة مسلية دون الاعتماد على الأساليب الرخيصة المبتذلة ومحاولة إضحاك الجمهور من خلال حوار هابط يعتمد على التهكم والسخرية من الأخرين، فمحاولة النيل من كرامة المعلم وهيبته جريمة في حق المجتمع كله وليس المعلم فحسب؛ فالمعلم هو رمز العلم والحضارة واحترامه واجب على الجميع، وعلى القائمين على العمل في الرقابة على المصنفات الفنية تدارك هذا الأمر والتصدي لهذه المهزلة، كما يجب علينا أيضا العمل على إحياء تراثنا الثقافي العظيم المبني على احترام وتوقيرالمعلم، ومن ثم تدرك شتى أطياف المجتمع أهمية العلم والعلماء في حياة الأمم والشعوب، وفي صناعة الحضارات الإنسانية العظيمة.