اكتشاف تابوت ومدفن شيخ الطريقة القادرية بالديار المصرية في عهد السلطان الأشرف برسباي
عبد الناصر محمد
إكتشف العالم الأثرى الدكتور محمد شبانة بمنطقة شمال القاهرة الأثرية تابوتا أثريا فريدا ومتميزا فى مجال الآثار الإسلامية كان يُعتقد أنه خاص بالشيخ محمد أبى المعالى الجوهرى الموجود فى جامع الجوهرى الأثرى بمنطقة الموسكى.
وقال د.شبانة أن جامع الجوهرى تم تشييده فيما بين ١٢٦١ و ١٢٦٥ هجرية أى بين عامى ١٨٤٥ و ١٨٤٨ ميلادية فى عصر محمد على باشا ، وأن التابوت المقصود يتم تدريسه بالخطأ فى جميع الدراسات والبحوث والرسائل العلمية المتخصصة سواء فى العمارة والفنون.
وقال شبانة أنه بعد قراءة النقوش الآثارية الموجودة على التابوت والقيام بالتعرف على الشخصيات الوارد أسماؤها وعلى رأسها صاحب التابوت وشجرة عائلته تبين أنه يخص شخصية صوفية وهو الشيخ عز الدين عبدالعزيز بن بدر الدين محمد الحرانى حفيد الشيخ الصوفي الكبير حياة بن قيس الحرانى من جهة الأب والذى ضريحه فى تركيا حالياً وتحديداً فى مدينة ” حران ” ، وهو أبو البركات حياة بن قيس بن رحّال بن سلطان الأنصاري الحرَّاني والذي يعده المؤرخ أوليا شلبي من الأقطاب ويقول عنه المؤرخون أنه شيخ حرّان وزاهدها وكان من الشيوخ الذين لهم كرامات ساطعة وكان الملوك يزورونه تبركاً به وطلباً لدعائه لعل أشهرهم السلطان نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي , وكذلك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب, وشيخنا الشيخ عبد العزيز الحرّاني هو أيضاً حفيد الشيخ الصوفى الكبير عبد القادر الجيلاني (أو الجيلي أو الكيلاني) أحد كبار أقطاب الصوفية ومؤسس الطريقة القادرية من جهة الأم, فالشيخ عبد العزيز هو ابن السيدة نفيسة (التي تُدعى زينب) ابنة الشيخ ظهير الدين أحمد بن محمد بن نصر بن شيخ الإسلام أبي بكر عبد الرزاق بن القطب عبد القادر الجيلاني وهو محيي الدين أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح عبدالله ابن جنگي دوست الذي يمتد نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب, والشيخ عبد القادر ضريحه في العراق وتحديداً في مدينة بغداد حيث يُطلق عليه الأخوة العراقيون “الحضرة القادرية ” وهو من الصوفية القلائل الذين جمعوا بين علمي الشريعة والحقيقة, أما عن كراماته فحدث ولا حرج تلك التي يقول عنها ابن العماد الحنبلي “تخرج عن الحد وتفوق الحصر والعد”
وأضاف د. محمد شبانة أن التابوت يحمل تاريخ سنة ٨٣٩ هجرية وهو تاريخ وفاة الشيخ عز الدين عبدالعزيز التى تقع فى فترة حكم السلطان الأشرف برسباى أى أن التابوت يعود إلى العصر المملوكى الجركسى.
واكتشف الدكتور محمد شبانة أن صاحب التابوت هو الشيخ عبدالعزيز والذى كان شيخ الطريقة القادرية بالديار المصرية فى عهد السلطان الأشرف برسباى.
وقد رصد د. شبانة هذا الكشف الأثرى الفريد فى كتابه الذى انتهى من تأليفه مؤخرا تحت إسم ” النور الشعشعانى فى كشف تابوت العز الحرانى ” ، والذى صدر عن دار الحكمة للطباعة والنشر والتوزيع ، والكتاب من تقديم الدكتورة آمال العمرى أستاذة الآثار والعمارة الإسلامية وكبيرة علماء الآثار الإسلامية فى الوقت الحالى.
ويلقى الكتاب الذى سيتم عرضه بمعرض القاهرة الدولى للكتاب القادم (جناح المؤسسة الدولية للكتاب ودار الحكمة صالة 2, جناح C 50) الضوء على هذا الكشف الأثرى الجديد كما زخر باسهامات علمية جديدة فى مجال دراسة المصطلحات الجنائزية
و مجال دراسة الألقاب وخاصة الصوفية مثل سيدي ، الشيخ ، شيخ الإسلام ، العارف بالله ، القطب ، الغوث ، الفرد ، الجامع ، الربّاني …الخ ، ويزيد من أهمية الكشف ندرة التوابيت الخشبية الجنائزية من العصر المملوكي الجركسي حيث ساد نظام التراكيب الرخامية ، كما كان من النتائج المترتبة على هذا الاكتشاف والخاصة بتاريخ العمارة هو رصد مراحل بنائية منسية في جامع الجوهري، وحسم هوية بعض الأبنية الدينية المذكورة في المصادر التاريخية وتحديد موقعها مثل موقع مسجد الحلبيين الوارد ذكره عند المقريزي وغيره من المؤرخين حيث أن هذا المسجد وكذا مدفن الشيخ عز الدين عبد العزيز تم تحديدهما خطأ بأنه جامع الشيخ مُطَّهر(عبد الرحمن كتخدا) ومدفن الشيخ الموجود به وذلك من قبل على باشا مبارك في الخطط التوفيقية والعالمة الجليلة الدكتورة سعاد ماهر حيث حسم الكتاب موقعه الأصلي بأنه موضع جامع الشيخ الجوهري كما توصل المؤلف للتحديد الدقيق لمدفن الشيخ عبد العزيز الحرّاني بناءً على العديد من الأدلة والقرائن التاريخية وكذا الشواهد الأثرية ولعل أهمها العثور على تابوت شيخ الزاوية القادرية صاحب التابوت في الجامع وعليه نقوش آثارية لا تقبل الشك حيث كانت الزاوية القادرية مرحلة بنائية سابقة في موقع جامع الجوهري أضف إلى ذلك الكثير من الإسهامات العلمية الجديدة مما يضيف إلى قيمة هذا الكتاب الذي يميط اللثام عن حقائق تاريخية وآثارية لا تهم فقط الُاثاريين بل كذلك الصوفية من محبي ومريدي الطريقة القادرية.