الأديب الليبي محمد اسويسي في ثنائية الحنين

جيهان إسماعيل
إنه الشعر عندما صيّرهُ الإبداع حنيناً، لا جزءاً من حنين عنده . فجاء إلى الدنيا ليكون هو كما أراد أن يكون شاعراً.
المهاجر القديم على دروب العشق، فمن لم يذق طعم الشوق لا يحق له أن يكون حكماً على الشوق، لم يختلف مع سجيتة فُطِر على التوافق مع موهبته، فجاء ابداعه توقاً مدهشاً لثنائية التراث والمعاصرة، في ذائقة ترعرعت تراثا وشبت معاصرة وقد نهلت من روائع الشعر الشعبي والفصيح في ثنائية الحرية والجمال، على امتداد عمره الذي رزح بحنين الفقد وأوجاع الحرية، الناسك العاشق لم يخل قلبه من كنز اليقين، وقد علمته الأيام أن الحزن وحده يجب الحزن، فأرسل شعره بواحاً، قليلون من اجادوا الأبداع في حضرة
الكَلِم، في ثنائية الشعر بين الفصحى بكل ملكات رحابتها، ومدهش إمكانية قدراتها، والعامية قرينة بوح إختزال الخفاء،استفاق على وشوشة السواقي، لظمأ الجداول، تلمست مبكر أيامه لعثمات أبداعه الشعري، فقادته بصيرته بشغف الحنين لقدرات أختص بها بين الرغبة والعزوف الحكمة واللين الحلم والقسوة،
الحزن الفارح استنطق الحنين وإيماضات وجده، فباحات أناشيده التواقة للحرية والجمال، [اهو الجمال هو الحرية أم الحرية هي الجمال] ولكونه أحداهم علامات الثنائية، فقد نسج وشاحات عذب قصائده الفصيح برهافة أصالة المحلي الشعبي.
علمته الأيام أن النفس دائماً أثمن مما تمتلك،فارتجأت روحه دائمة الرضا لمحبة، الطيبين سلالة الطيبْ، فأسروا له أن لكل ظلام ظل شروق، فطفق بملتهف التسابيح لاهجاً بشذى نور المحبة، تتفصد روحه بدموع طهرها وضوءً لصلاة الخفاء.
المبدع البواح رقصت فراشاته بين الضوء والضوء، عند العذريين بين أبن زيدون ، والأخطل الصغير وعلى عبق عمر أبو ريشة أستوقفه شعر أمل دنقل بروح حداثيتة وتعاويذ الحرية وعند البردّوني حط عصا رحاله،ليستقرئ حداثة الشعر العمودي، هذا التواق للحرية والجمال إبداعاً.
فالوقت الذي قضيناه في البحث عن الحرية والجمال ليس وقتاَ ضائعاً.
إلياذة وجده أغرقت قلبه العارِي في حبر الإبداع، لينشد ملاحة القول في فصاحة الفصيح، وجزالة الشعر في رهافة المحلي.
حلق بأفاق الإبداع حنّ فذاب تغنى بلحونه لجميلته درنه،
[ قالوا الجمال من الإيمان…. آمناً *** شهد لدرنة فشهد له الوطن]
في نصوصه الغنائية رهافة آسرة التأثير تفوح ببخور الروح ومسك الأصالة عند أحمد رامي وعبدالسلام قدربوه في استمالة الموشح للأغنية في رائعته
[ عشت أمعاك أيام الدلال * نشوانين بأحلام الغرام * كيف اليوم عنى ما تسال* لا مرسول منك لا سلام ]
وفي الفصيح مبكراً ادرك أنه في حضرة أسلافه فقرأ بألمعية ما بين سطورهم من خفايا الأبداع برؤية لا يطالها إلا الأفذاذ من أمثاله،أنتهل شفافية أهل الحنين أسلاف إبداعه، من شوقي, الجواهري, وبشار, والأخطل, أبوريشة, ونزار، وقد إغترف أبجدياته من روح الأسطى عمر بين ظلي الدلال والمكاوي،
البواح بالمعرفة أجاد لغة الأسلاف فأطاعت قصِيده العمود بلحون ألوانه القزحية أبداعاً، داعب الأحرف بدندنات تستخفي ما بعد المعانِي، نسج من الوان نوّار العشية، وشذى الياسمين وتباريح الظلال وشاحات مسايا شعره، ومررها آسرة في حلقات سَمرِه عند أهل الحنين.
تلعثم بمحاريب الجمال فأستنطقه الوجد لتكتمل حبات مسبحة ديوانه:
[ ما في الجبة إلا العاشق ]
أصبوحات شعره وحلقات سمره مجبولة بخفة الظل وسجية الموهبة القادمة عبر الزمانات، يستسقي روائعها لظامئ روحه من حسن لقطع و الشيخ أمبارك وعبد الكريم جبرين،
ولكونه وريثا لرموز الأدب فصيحاً وشعبياً أختار بعناد أن يحقق ذاته فأستدرج الكلمات شعاعات النغمات بعبقريتة هو , في قصيدة العمود ليكون أحد سدنتها .
في ثنائية قصيدة الموسيقى، وموسيقى القصيدة برؤية إبداعية عن الجمال والأسطورة، ومعتقد أهل المكان والمكان ارتبط بالأصالة ارتباطا حميماَ أشبه ما يكون بالارتباط بالعودة للأمام،مازجاً العناصر الحكائية والتصورات الإبداعية عنده بسجايا أسلافه.
ثنائية الظاهرالباطن بين لبي التراث والمعاصرة، قيمة ترتقي لتكون ضمن أهم وثائق تأريخ الأدب الليبي.
مناكفٌ المعي يستنطق لسان التورية، عند حاجته للدهاء، له في قلوب الناس محبة ولهم في قلبه، وجدْ فما اقسي عليك من أن تحمل قلباً كبيراً، فالدنيا تعدنا بأكثر مما تهِبنا، فنحتاج لوجود الأخر كونه برهان وجودنا.
حلّقت أشعاره في سماوات الإنسانية، تذهب بعيداً لسبر روح التراث، متطلعةً لأفاق الحداثة وفق مدهش ابداعاته
حتى أنه لو جاز لنا القول أن ثمة أيقونة ثنائية للشعر لبرزت ملامح شباب المشيب… كما أراد هو …. الشاعر بموهبته علي عبدالشفيع الخرم