تعرف على الأيام العَشر وفضائلها والأعمال المستحبة فيها
د. عمرو حلمي
إن الله تعالى اصطفى صفايا من خلقه ، اصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس ، واصطفى من المكان المساجد ، واصطفى من الزمان أشرفه ، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم ، واصطفى من الليالي ليلة القدر وليلة النصف من شعبان ، واصطفى من الأيام يوم الفطر ويوم عرفة ويوم النحر ويوم القر ويوم عاشوراء ، واصطفي في مُجمل الأيام ، الأيّام العَشر الأُوَل من ذي الحِجّة.
والأيّام العشر من ذي الحِجة : هي الأيّام العَشر الأولى منه ، وهي تمام الأربعين ليلة التي واعد الله فيها النبي
موسى عليه السلام ، قال تعالى : {وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}[الأعراف من الآية 42] فالثلاثين هي ذو القعدة ، والعشر هي عشر ذي الحجة.
فهي تُعَدّ أعظم الأزمنة وأشرفها لقد فضّلها الله وأَفردَها عن غيرها كما مَيّزها بكثرة الفضائل والميّزات شَحذاً للهِمَم والعزائم وسَعياً إلى زيادة الأجور والحَسنات إذ تجتمع فيها أمّهات العبادات من صلاةٍ وصيامٍ وحجٍّ وغيرها، ولا يكون ذلك في غير العَشر من أيّام العام.
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : «والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يتأتى ذلك في غيره».
أيهما أفضل الأيّام العشر الأواخر من رمضان أم الأيّام العشر الأُوَل من ذي الحجّة
يرى العلماء أنّ النهار في الأيّام العشر الأًوَل من ذي الحجّة أفضل من الأيّام في العشر الأواخر من رمضان، لأن فيها تؤدي مناسك الحج والعمرة ، وفيها الوقوف بعرفة , وفيها يوم النحر وفيها الصيام وصلاة العيد والأضحية.
وأمّا ليالي العشر الأواخر من رمضان فهي أفضل من ليالي العَشر الأًوَل من ذي الحِجة ، لأن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، بل أعظم الليالي على الإطلاق.
فضائل الأيام العَشر الأول من ذي الحِجة
لقد فضل الله الأيّام العَشر من ذي الحِجّة على غيرها من أيّام العام لما لها من شأن عظيم يتجلى واضحا فيما يلي:
أولا : أقسم الله تعالى بها في القرآن الكريم والله تعالى لا يُقسم إلّا بشيءٍ عظيمٍ.
قال الله تعالى: {وَالْفَجْرِ(١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ(٢)}،[الفجر(١-٢)] أي ليالي الأيّام العَشر من ذي الحِجّة.
ثانيا : فيها أفضل أيام العام.
إذ يقع فيها يوم عرفة ، وهو يوم الحَجّ الأكبر، ويوم المباهاة بأهل الموقف ، وهو اليوم الذي تُغفَر فيه الذنوب والخطايا ، وتُعتَق فيه الرِّقاب من النار ، وفيها كذلك يوم النَّحر.
وفي الحديث : «إنَّ أعظمَ الأيَّامِ عندَ اللَّهِ تبارَكَ وتعالَى يومُ النَّحرِ ثمَّ يومُ القُرِّ».
فيوم النحر : هو يوم العيد يوم الأضحية والتضحية.
ويوم القر : هو ثاني أيام العيد وهو اليوم الذي يستقر فيه الحجيج بِمِنَى.
ثالثا : فيها تُؤدّى فريضة الحجّ خاتمة أركان الإسلام العظيم وفيها كذلك العمرة.
وفي الحديث : « العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ».
رابعا : الأيّام العَشر من ذي الحِجّة الأيام المعلومات وأما ثلاثة أيام التشريق فهي الأيام المعدودات.
قال تعالى : {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}[الحج من الآية (٢٨)] ، وهي الأيّام العَشر من ذي الحِجّة.
وقال تعالى : {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة من الآية (٢٠٣)] ، فالأيام المعدودات ، هي المعروفة بأيام التشريق وهي اليوم الحادي عشر من ذي الحجة ، والثاني عشر من ذي الحجة ، والثالث عشر من ذي الحجة.
وهناك من جمع بين الأيام العشر المعلومات مع أيام التشريق الأيام المعدودات فجعلها كلها داخلة في الأيام المعلومات ، استنادا لقوله تعالى قال تعالى : {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}[الحج من الآية (٢٨)] ، وفيها التكبير المطلق والذي يبدأ بثبوت هلال ذي الحجة حتى غروب شمس اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ، فيكون المعنى على ذلك ، ليذكروا الله في الأيام المعلومات من أول أيام ذي الحجة إلى غروب الشمس في نهاية اليوم الثالث عشر ، فيكبروا الله ، ويذكروه سبحانه ، فهي أيام عظيمة فاضلة ، والثلاثة منها معدودات ، وهي أيام التشريق ، اليوم الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر، وهي أيام مِنَى، وأيام رمي الجمار.
خامساً : الأيّام العَشر من ذي الحِجّة هي أعظم أيّام الدُّنيا على الإطلاق.
إذ تجتمع فيها أمّهات العبادة من تهليل وذكر وشكر وتكبير وتحميد ، كما في الحديث : «ما مِن أيَّامٍ أعظَمُ عِندَ اللهِ، ولا أحَبُّ إليه مِن العَمَلِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ، فأكثِروا فيهنَّ مِن التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ».
سادساً : العمل الصالح فيها أفضل منه في سائر أيام العام.
والعمل الصالح : يشمل كل أنواع البر والخير والعطاء من الصدقات ، وقراءة القرآن ، وصِلَة الرَّحِم ، وحِفظ اللسان ، وبِرّ الوالدين ، والدعاء لهما ، والحرص على صلاة السُّنَن الرواتب ، والحرص على أداء صلاة العيد ، ونحر الأضاحي ، وإدخال السرور على قلوب الآخرين ، وإكرام الضيف ، وغير ذلك من صالح الأعمال.
وخص الجهاد بالذكر لأن وقوع الجهاد في هذه الأيام يُفَوِّت على المسلم أداء فريضة الحج.
وفي الحديث : «ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذِه ، قالوا: ولَا الجِهَادُ؟ قَالَ: ولَا الجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بشيءٍ».
وفي حديث آخر : «ما من عملٍ أزكى عند اللهِ، ولا أعظمَ أجرًا من خيرٍ يعملُه في عَشرِ الأَضحى».
ففي الأحاديث دليل على أنّ العَشر الأول من ذي الحِجّة هي أفضل أيّام العام ، وأنّ العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من العمل في غيرها من سائر الأيّام.
الأعمال المستحبة في العَشر الأُوَل من ذي الحِجّة
أولا : يُستحب في الأيّام العَشر من ذي الحِجّة الإكثار من التهليل والذكر والشكر والتكبير والتحميد
فهناك تكبير مطلق يبدأ بثبوت هلال ذي الحجة ، وهو مطلق لا يتقيد بوقت ولا بمكان ولا بصلاة.
يكون في كل مكان وفي المساجد وفي الطرقات.
وهناك تكبير مقيد يبدأ من فجر يوم عرفة حتى غروب شمس ثالث أيام التشريق رابع أيام العيد ويكون في المساجد عقب الصلوات.
وفي الحديث : «ما مِن أيَّامٍ أعظَمُ عِندَ اللهِ، ولا أحَبُّ إليه مِن العَمَلِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ، فأكثِروا فيهنَّ مِن التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ».
كما ثبت عن عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنه: «أنَّه كان يُكبِّرُ في قُبَّتِه بمنًى، فيَسمَعُه أهلُ المسجدِ، فيُكبِّرونَ، فيكبِّرُ أهلُ الأسواقِ، حتى تَرتجَّ مِنًى تكبيرًا».
وعن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما: «أنَّه كان يُكبِّرُ بمنًى تلك الأيَّامَ، وخَلْفَ الصَّلواتِ، وعلى فِراشِه، وفي فُسطاطِه ومجلسِه، وممشاه تلك الأيَّامَ جميعًا».
كما ثبت عن ميمونةُ رَضِيَ اللهُ عنها «أنها كانتْ تُكبِّر يومَ النَّحرِ».
ثانيا : يستحب صيام العَشر الأُوَل من ذي الحِجّة.
لقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم صيام هذه الأيام لشرفها وعظيم منزلتها عند الله ولأن الصيام من أفضل القربات عند الله.
وفي حديث حفصة بن عمر رضي الله عنهما أنها قالت : «أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صيام يوم عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة» ، [رواه أحمد ، والنسائي ، وابن حبان ، وصححه].
وهذا لا يتعارض مع حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صائمًا في العشر قط»[رواه مسلم].
قال النووي : هذا الحديث مما يوهم كراهة صوم العشر، والمراد بالعشر هنا الأيام التسعة من أول ذي الحجة.
وهذا مما يتأول ، فليس في صوم هذه التسعة كراهة، بل هي مستحبة استحبابًا شديدًا لا سيما التاسع منها وهو يوم عرفة، فيتأول قول عائشة رضي الله عنها «لم يصم العشر» أنه لم يصمه لعارض مرض أو سفر أو غيرهما، أو أنها لم تره صائمًا فيه ، ولا يلزم من ذلك عدم صيامه في نفس الأمر.
ويدل على هذا التأويل حديث هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر الاثنين من الشهر والخميس» ورواه أبو داود وهذا لفظه، وأحمد والنسائي وفي روايتهما: «وخميسَين».
ثالثا : فيها يستحب صيام يوم عرفة لمن كان خارج الموقف
يوم عرفة : هو اليوم التاسع من ذي الحجة وفيه الوقوف بعرفة ركن الحج الأكبر، ومن المستحب صيامه
لمن كان خارج الموقف بصعيد عرفات ، كما ثبت في فضل صيامه أنه يكفر ذنوب سنتين ، وفي الحديث : «صِيَامُ يَومِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتي بَعْدَهُ».
رابعا : فيها تُستحب الأُضحية شعيرة الإسلام
قال تعالى : {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }[الحج من الآية (٣٢)]
وفي الحديث : «ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا».
خامساً : فيها يستحب للمضحي ترك أخذ الشعر والظفر حتى يضحي
والحكمة من ذلك حتى يشارك المُحْرِم في بعض مناسكه وحتى يُعْتَق من النار وهو كامل الأعضاء
لذا كان من السنة للمضحي إذا أراد أن يضحي ، ألَّا يزيل شيئًا من شعر رأسه أو بدنه بحلق أو قص أو غيرهما ، وألا يأخذ كذلك شيئًا من أظفاره بتقليم أو غيره ، وذلك من ليلة اليوم الأول من ذي الحجة إلى الفراغ من ذبح الأضحية.
ففي حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ ، فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا»[رواه مسلم].
وفي رواية : «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ»[رواه مسلم].
ففي الحديث : نهي عن إزالة شعر وتقليم أظفار المضحي في الأيام العشر حتى يضحي والنهي هنا للكراهة التنزيهية وليست للتحريم في أرجح الأقوال.
بدليل حديث عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: «كُنْتُ أَفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إِلَى الكَعْبَةِ، فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا حَلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ، حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ».[رواه البخاري].
قال الشافعي : «البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية، فدل على أنه لا يحرم ذلك».
وخلاصة القول : يستحب للمضحي ألَّا يأخذ شيئًا من شعره ولا ظفره ولا جلده إذا دخل شهر ذي الحجة حتى يُضحي، ولا يَحْرُم عليه هذا ، بل يكره فعله , وعدم الأخذ أولى؛ خروجًا من الخلاف.
وبعد فهذه مجمل أعمال الأيام العَشر الأول من ذي الحِجة وفضائلها.
هذا والله أعلى وأعلم.