فضائل الحج والعمرة وبيان مكانتهما التشريعية
بقلم : د. عمرو حلمي – الباحث بجامعة الأزهر
تعد فَريضةُ الحج هي الركن الخامس مِن أركانِ الإسلامِ كما تعد مناسك الحج والعمرة من مظاهر الإعلام الكبرى في الإسلام قال تعالى : {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (٢٧) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ(٢٨)}[الحج(٢٧-٢٨)].
فمنذ أن أمر الله تعالى الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام بأن يؤذن في الناس بالحج والقلوب تهفو إلى هذا البيت العتيق وذاك المكان الأجمل في الدنيا كلها والوفود تتوالى من كل فج عميق تلبية واستجابة لنداء الحق تبارك وتعالى.
قالَ ابْنِ عَبّاسٍ : «لَمّا فَرَغَ إبْراهِيمُ مِن بِناءِ البَيْتِ قالَ: رَبِّ، قَدْ فَرَغْتُ، فَقالَ: أذِّنْ في النّاسِ بِالحَجِّ. قالَ: رَبِّ وما يَبْلُغُ صَوْتِي؟ قالَ : أذِّنْ وعَلَيَّ البَلاغُ. قالَ : رَبِّ كَيْفَ أقُولُ؟ قالَ : يا أيُّها النّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الحَجُّ إلى البَيْتِ العَتِيقِ. فَسَمِعَهُ مَن بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ ألا تَرى أنَّهم يَجِيئُونَ مِن أقْصى الأرْضِ يُلَبُّونَ».
كما اقتضت الحكمة الإلهية من تشريع الحج والعُمرة أنْ يحضروا مَنافع لهم أي : يحصِّلوها وإقامة ذكر الله عزَّ وجلَّ في تلك البِقاع التي عظَّمها الله سبحانه وشرَّفها وجعل زيارتها على الوجه الذي شرَعَه من تعظيم حُرماته وشعائر دِينه وذلك خيرٌ لصاحبه في العاجلة والآجلة وأمارةٌ على تقوى القلوب التي جعَل الله لأهلها البُشرى في الحياة الدنيا وفي الآخِرة وذلك من أعظم المنافع.
هذا ومن فضائل الحج والعمرة :
أولا : الحج والعمرة من أعظم أسباب تكفير الذنوب والخطايا.
ففي الحديث : «مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ ولَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ». فمن حج لله مبتغيا وجهه بلا رِياء ولا سمعة فلَم يرفُث بمعنى : فلم يفعل شيئًا من الجماعِ أو مقدماته ، وقيل : الرفَث اسم للفحشِ من القول ولَم يفسق أي : ولم يرتكب إثما أو مخالفةً شرعيةً صغيرة أو كبيرة تخرِجه عن طاعة الله تعالى وإنَّما صرح بنفْيِ الفسقِ في الحجِّ مع كونه ممنوعا في كل حال وفي كل حين لزِيادة التَّقبيحِ والتَّشنيعِ ولزيادة تَأكيد النَّهيِ عنه في الحجِّ وللتَّنبيه على أنَّ الحج أبعد الأعمال عن الفسقِ. فمن فَعل ذلك عاد بعد حجه نقيا من خطاياه كما يخرج المولود من بطْنِ أُمه أو كأنَّه خرج حينئذ مِن بَطْنِ أُمه ليس عليه خطيئةٌ ولا ذَنْب.
ثانيا : الحج توبة يهدم ما كان قبله.
يقول عمرو بن العاص : «لمَّا جعل اللهُ الإسلامَ في قلبي أتيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ابسُطْ يمينَك لأبايعَك فبسط يدَه فقبضْتُ يدي فقال : مالك يا عمرُو. قال : أردْتُ أن أشترِطَ. قال : تشترِطُ ماذا؟ قال: أن يُغفرَ لي. قال : أما علمتَ يا عمرُو أنَّ الإسلامَ يهدِمُ ما كان قَبلَه وأنَّ الهِجرةَ تهدِمُ ما كان قبلَها وأنَّ الحجَّ يهدِمُ ما كان قبلَه».
ثالثا : الحج المبرور جزاؤه الجنة.
لقد جعل الله عز وجل الطاعات وسائر أعمال الخيرِ مكفِّرات للذُّنوب ورافعات للدَّرجات ومن أجل الطاعات في الأجرِ وأعلاها في الدرجة الحج والعمرة. وفي الحديث : «العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ». أي: من اعتمر عمرتينِ متتابعتين كانت العمرتانِ سببا في تكفيرِ ما بينهما مِن الصغائرِ وعدمِ المؤاخذة بها يوم القيامة وأن الحج المبرور وهو الذي لا يخالطه إثم أو هو المتقبل الخالص الخالي من الرياء والسمعة وقد تحقَّقت فيه أركانُه وواجباته وهذا الحج جزاؤه عند الله تعالَى هو الجنَّةُ.
ومن علامات الحج المبرور : أن يكون حال المسلم بعد الحج خيرًا من حاله قبله، وشاهدُ هذا في قوله تعالى :{وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَءَاتَىٰهُمْ تَقْوَىٰهُمْ}[محمد:17].
قال الحسن البصري: «الحج المبرور أن يرجع زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة».
رابعا : الحج المبرور من أفضل أعمال البر فهو على رأس الأعمال الصالحة.
إذ يجمع بين عبادات البدن وعبادات المال.
وفي الحديث : «سُئِلَ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : أيُّ العَمَلِ أفْضَلُ؟ فَقالَ : إيمَانٌ باللَّهِ ورَسولِهِ. قيلَ : ثُمَّ مَاذَا؟ قالَ : الجِهَادُ في سَبيلِ اللَّهِ قيلَ : ثُمَّ مَاذَا؟ قالَ : حَجٌّ مَبْرُورٌ».
خامسا : الحج المبرور جهاد في سبيل الله.
الجهاد يكون بالنفس بالمال كما يكون باللسان والكلمة ومنه جهاد النفس في طاعة الله.
وفي الحج يتجلى هذا كله بوضوح وفي الحج يجتمع مشقة البدن وبذل المال وإنفاقه في سبيل الله.
ومن هنا كان الحج جهادًا لكل ضعيف لا يستطع القتال في سبيل الله.
وفي الحديث : «يَا رَسولَ اللَّهِ نَرَى الجِهَادَ أفْضَلَ العَمَلِ أفلا نُجَاهِدُ؟ قالَ : لَا لَكِنَّ أفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ».
كما يعد الحج جهاد المرأة والضعيف وفي الحديث : «جِهادُ الكبيرِ والصَّغيرِ والضَّعيفِ والمرأةِ : الحجُّ والعُمرةُ».
فرحمةُ الله وسعت كل شيء ومِن رحمته سبحانه : أنَّه يُعوِّض مَن لا يقدر على الغزوِ والخروجِ في سبيل الله من الأعمال الَّتي يتحصل منها الفضل بمثْلِ ما في الجهادِ أي: إنَّهم يؤجرون بأدائِهم للحج والعمرة بمثْل ما يؤجر به من يخرج للغزو والجهاد في سبيلِ الله.
سادسا : الحج والعمرة من أسباب الغنى ومضاعفه النفقة :
إذ يعد إنفاق المال في الحج والعمرة والمتابعة بينهما جلب للرزق ونفي للفقر عن العبد بإذن الله.
وفي الحديث : «تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ فإنَّهما ينفِيانِ الفقرَ والذُّنوبَ كما ينفي الْكيرُ خبثَ الحديدِ والذَّهبِ والفضَّةِ وليسَ للحجِّ المبرورِ ثوابٌ دونَ الجنَّةِ».
سابعا : النفقة في الحج نفقة في سبيل الله :
لقد وعد الله سبحانه عباده بمضاعفة ما ينفقونه في الحج عنده أضعاف كثيرة كما تضاعف النفقة في سبيل الله.
وفي الحديث : «النَّفَقَةُ فِي الْحَجِّ كَالنَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِسَبْعِمَائَةِ ضِعْفٍ».
ثامنا : الحجاج في ضمان الله وحفظه :
فمن تكفَل الله بحفظه ورِعايته فهو الفائز حقًّا فهنيئا لمن كان الله معه.
وفي الحديث : «ثلاثةٌ في ضمانِ اللهِ عزَّ وجلَّ : رجلٌ خرج إلى مسجدٍ من مساجدِ اللهِ عزَّ وجلَّ ورجلٌ خرج غازيًا في سبيلِ اللهِ تعالى و رجلٌ خرج حاجًّا».
تاسعا : الحجاج والعمار وفد الرحمن وفي ضيافته :
فأي مكرمة تعدل أن يكون العبد في ضيافة الله وأي إكرام يعدل إجابة الخالق لدعاء عبده وفي الحديث : «الحجَّاجُ والعمَّارُ وفدُ اللهِ إن دعوه أجابهم وإن استغفَروه غفَر لهم».
وختاما : فكلُّ هذه الفضائل من المنافع العظيمة التي يحصِّلها الحجاج والعمار بحَجِّهم وزيارتهم إلى بيت الله الحرام.