هل تخرج القارة الأفريقية من مصيدة الديون الخارجية ؟

أيمن بحر

سؤال يتردد كثيراً فى الأوساط الاقتصادية ونقاشاته باتت مادة دسمة على طاولة المحللين والخبراء وخصوصاً أن الآفاق الخاصة بقدرة الدول الافريقية على تحمل الديون لا تزال غير واضحة بحسب تصريحات أدلى بها أخيراً آندرو دابالين كبير الخبراء الاقتصاديين لمنطقة أفريقيا بالبنك الدولي.

ويشير البنك الدولى إلى أن نحو نصف دول أفريقيا جنوب الصحراء تتعثر فى سداد التزاماتها أو معرضة لخطر التعثر بصورة كبيرة خلال العام الحالى فى حين يتوقع أن يكون التضخم فى خانة العشرات فى مناطق واسعة من القارة مع معدل نمو يصل إلى 3.1 بالمئة فى 2023.

وتقدر ديون بلدان القارة السمراء بنحو تريليون دولار فى 2022 إذ تضاعفت خمس مرات منذ عام 2000 وتتركز 66 فى المئة من الديون في 9 بلدان تتصدرها جنوب إفريقيا بينما تعاني 22 دولة من عدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدائنين، بحسب صندوق النقد الدولي، الذي أشار إلى أن أقساط الديون البالغة نحو 100 مليار دولار سنويا تضغط على ميزانيات العديد من البلدان وتستقطع أكثر من 15 فى المئة من الناتج الإجمالى.ومن مصر يوضح الخبير الاقتصادى الدكتور عبد الله الشناوى فى حديثه أن السبب الرئيس للجوء إلى الديون الخارجية والاقتراض يتمثل فى فجوة الموارد المحلية أى الفجوة بين معدل الاستثمار المطلوب تحقيقه حتى يتم الوصول إلى معدل النمو المستهدف وبين معدل الادخار المحلى مشيراً إلى توسع الدين العام لأفريقيا حيث وصلت مستويات الديون فى الدول ذات الدخل المتوسط إلى مستويات غير مسبوقة فى التاريخ المعاصر إذ ارتفع الدين العالمى إلى 28 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020 نتيجة زيادة الإنفاق الحكومي استجابة لتفشي جائحة كورونا وخسارة الإيرادات بسبب الركود الاقتصادى.ويضيف الدكتور الشناوي: أدت زيادة التزامات الديون إلى خنق الاستثمار وتقويض النمو فمن إجمالي الدين الخارجي للقارة الأفريقية تمتلك مثلاً جنوب إفريقيا 15 بالمئة ومصر 13 بالمئة وأنجولا 7 بالمئة والمغرب والسودان 6 بالمئة لكل منهما بينما تمتلك كل من تونس وكينيا وزامبيا 4 بالمئة وقد خصصت حوالى 15إلى 20 حكومة فى أفريقيا ما يعادل 20 بالمئة أو أكثر من إيراداتها السنوية لخدمة الدين الخارجى للقطاع العام فى عام 2021، ويتضح بذلك ضغط خدمة الدين الخارجى على المالية العامة فى الدول ذات الاستدانة العالية مثل أنجولا والسودان وتونس وزامبيا حيث احتلوا مرتبة عالية بشكل غير مريح فى قائمة أطول من البلدان بما في ذلك الكاميرون وتشاد وجيبوتى وغانا وموريتانيا وموزمبيق والسنغال.

وسيستمر عبء الديون الثقيل على المالية العامة فى تقويض القدرة على توجيه الأموال إلى مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتقويض القدرة على تحمل الصدمات الخارجية

ولكن ما هو مستوى الدين الخارجى الذى له تأثير سلبى على النمو الاقتصادى؟

يجيب الخبير الاقتصادى الدكتور الشناوى على هذا التساؤل بقوله: يمكن أن تكون الديون الخارجية مفيدة إذا ترتب عليها تخفيض قيود السيولة وتوفير مصدر إضافى لتمويل التنمية وتلبية احتياجات البنية التحتية اللازمة للنمو لكن تؤثر الديون الخارجية على النمو من خلال أنها تقلل تراكم رأس المال ما يؤدى الى تخفيض المستثمرين لتوقعاتهم عن العوائد بسبب توقعهم ارتفاع معدلات الضرائب وأيضا يتقيد النمو الاقتصادي الأفريقى عن طريق تخفيض إنتاجية عناصر الإنتاج نظراً لان الدول الأفريقية أقل استعداداً لتبنى سياسات ذات تكلفة أعلى وأخيراً يتأثر النمو الاقتصادي سلباً بطريقة غير مباشرة من خلال التأثير على الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية والتعليم والصحة، هذا بالإضافة إلى ضعف الصادرات وضعف تعبئة المدخرات وارتفاع معدل التضخم عندما تبدأ الدول الأفريقية في سداد خدمة الديون الخارجية.ويمكن أن يكون لرصيد الديون الخارجية المرتفع تأثيراً سلبياً على النمو الاقتصادى من خلال التأثير السلبى على الاستثمار الخاص بسبب توقع أن الحكومات قد تزيد الضرائب فى المستقبل لخدمة الدين لذلك فإن المستثمرين الأجانب والمحليين سيحجمون عن الاستثمار فى الدول المدينة ما يؤدى إلى انخفاض النمو الاقتصادى طبقاً لما قاله الدكتور الشناوى الذى أوضح أن الحدود الآمنة للديون الخارجية هى 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالى أى يجب ألا يزيد رصيد المديونية الخارجية عن 1.5 مرة من الناتج المحلى الإجمالى بينما اذا رغبت الدولة فى مزيد من التحوط فيمكن اعتبار الحدود الآمنة للدين فى حدود 100 بالمئة.

ويقترح الخبير الاقتصادى الدكتور الشناوى سيناريو لتخلص أفريقيا من مصيدة الديون الخارجية وفقاً لأربعة محاور هي:

• اعتبار الدين العام أمر لا مفر منه

فليس من الممكن أن نتخيل وضعاً يمكن فيه لأى دولة أو حكومة أن تدير عملياتها دون ديون وعند تقدير هذه الحتمية فإن الأسئلة التى يجب أن يتم طرحها أثناء السعى لتفكيك هذه البنية هى من أين يأتى الدين؟ وكيف يتم استخدامه؟ و ما هي المصطلحات المرتبطة به؟ وبالتالي فإن مصدر استخدام وتبرير الدين يمثل اعتبارات حاسمة.

حيث كان الهدف النهائى الواضح لمؤسسات بريتون وودز -ولا يزال- هو حماية مصالح الشركات الدولية وذلك من خلال ضمان أن الاقتصادات الأفريقية تقدم بيئات صديقة للمستثمرين، أن الاقتصادات الأفريقية تتميز بانخفاض الأجور وانخفاض تكلفة العمالة باستمرار وأن الاقتصادات الأفريقية لا تحافظ على ضوابط رأس المال بحيث يظل تدفق رأس المال إلى الداخل وخارجه سهلاً.

وهى تقوم بذلك أيضاً من خلال ترسيخ استراتيجيات النمو الموجهة نحو التصدير حتى في الاقتصادات غير القادرة على الإنتاج والتصدير بشكل كافٍ ما يؤدي إلى تفاقم موازين مدفوعات هذه الاقتصادات.

• لا يمكن تجنب أزمة الديون دون التركيز على النمو

طالما أن صناع السياسة يضعون أهمية النمو جانباً يجب أن ننسى قدرة أفريقيا على الخروج من أزمة الديون. ومع ذلك على الرغم من هذه الحقيقة فإن النيوليبرالية (فكر آيديولوجى مبنى على الليبرالية الاقتصادية) تخلق بشكل منهجى إطاراً يجعل من المستحيل على الحكومات الأفريقية التركيز على النمو.

إن تركيز إصلاحات السياسة النيوليبرالية غير مناسب لأفريقيا بسبب نفس الحجج الأولية التي استخدمتها الحكومات الأفريقية من أجل متابعة الاقتصادات المختلطة -الاقتصادات التي تلعب فيها الحكومة دورًا رائدًا، ليس فقط كحكم ولكن أيضاً في تسهيل وحتى قيادة توسيع القدرات الإنتاجية.بدوره يقول الخبير الاقتصادى علي حمودى فى حديثه واجهت الدول الأفريقية صعوبات مالية لسنوات عديد ومع تراكم الديون على بعض الاقتصادات الأفريقية بسبب زيادة الاقتراض وسط نفقات محلية غير متوقعة لجأت الدول الأفريقية إلى التخلف عن سداد ديونها الخارجية أو هددت بالتخلف عن السداد فى خطوة يائسة لاستعادة الاقتصاد الكلى والقدرة على تحمل الديون.

وكمثال في عام 2021، تم تصنيف ستة بلدان هي، تشاد وإريتريا وموزمبيق وجمهورية الكونغو وجنوب السودان وزيمبابوى على أنها تعانى من ديون متعثرة حيث أصدرت الحكومات الأفريقية مبلغًا قياسيًا قدره 7.5 مليار دولار من السندات السيادية أى 10 مرات أكثر مما كانت عليه في عام 2016 وقام صندوق النقد الدولى بتغيير تصنيفات زامبيا وإثيوبيا من معتدلة إلى عالية المخاطر.

وفى هذا العام مع ارتفاع معدل التضخم العالمى وارتفاع معدلات الاقتراض وقوة الدولار بات سداد الديون وتوليد الأموال أكثر صعوبة ما جعل الوضع معقداً للغاية فى عدد من البلدان مثل غانا ملاوى زامبيا تونس ومصر وفقاً لحمودى.ويضيف الخبير الاقتصادي حمودي: لست مندهشا لرؤية بعض البلدان الأفريقية تتخلف عن سداد ديونها الخارجية فمعظم هذه البلدان الأفريقية لديها نسب عالية من الديون قياساً بالناتج المحلي الإجمالي، وينفقون نسبة أكبر من عائداتهم فى تمويل خدمة الديون وهذا ليس مستداماً ومن المتوقع أنهم سيصلون إلى نقطة من عدم التوازن يتعذر عليهم سداد ديونهم