الدور الأمنى الجديد للصين فى الشرق الأوسط لمواجهة وتشتيت النفوذ الأمريكى فى عدة جبهات دولية
علاء حمدي
اصدرت الدكتورة/ نادية حلمى الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ العلوم السياسية جامعة بنى سويف تحليل جديد حول الدور الأمنى الجديد للصين فى الشرق الأوسط فى عهد الرئيس “شى جين بينغ” لمواجهة وتشتيت النفوذ الأمريكى فى عدة جبهات دولية قالت فيه :
مع تولى الرئيس الصينى “شى جين بينغ” للحكم فى عام ٢٠١٢، لوحظ النشاط السياسى الصينى المتزايد فى الشرق الأوسط، حيث بدأت وفود صينية رفيعة المستوى تتوافد على دول المنطقة بما فيها الرئيس نفسه الذى قام بجولة شملت (مصر والسعودية وإيران). وبشكل عام، يركز التعاون الصينى العربى على زيادة التعاون والتنسيق الصينى مع المنظمات العربية المعنية الثلاث فى المنطقة، وهى: مجلس التعاون الخليجى، جامعة الدول العربية، وإتحاد المغرب العربى. وهناك مؤشرات على إستعداد دول المنطقة، وبالأخص بلدان الخليج والسعودية على إستكشاف ترتيبات أمنية مستقبلية بديلة ممثلة فى “هيكل أمن جماعى” يجمع جميع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين فى المنطقة مع لاعبين دوليين وقوى عظمى من خارج الإقليم، وعلى رأسها الصين وروسيا.
وكانت الأوضاع الأمنية المتردية فى الشرق الأوسط وإنهيار بعض دولها مثل (ليبيا- سوريا- العراق- اليمن) بمثابة تحدى جدى للصين ولسياساتها الإقليمية، وتهديداً مباشراً للإستثمارات الصينية ولتدفق الواردات من النفط والمواد الأولية من المنطقة والصادرات من السوق الصينية إليها، ولسلامة المواطنين الصينيين العاملين فى دول االمنطقة. ومن هنا تبحث الصين عن أفضل السبل لتأمين مصالحها ومشروعاتها فى إطار مبادرة الحزام والطريق فى منطقة الشرق الأوسط. وهو ما حذر منه تقرير صادر من الكونغرس الأمريكى، حول القوة العسكرية الصينية خاصةً فى منطقة الشرق الأوسط، من أن بكين قد تقوم بإستخدام موانئ إيران والخليج العربى والشرق الأوسط كله، لإنشاء قواعد عسكرية للصين فى كل بلدان المنطقة. وهذا ذاته ما قد يتسق مع العقيدة العسكرية الصينية الصادرة عام ٢٠١٩، والتى تتبنى رؤية صينية واسعة للأمن القومى تشمل الإنخراط العسكرى الصينى الواسع فى حالات تهديد السلامة الإقليمية للصين وللحفاظ على المصالح الصينية فيما وراء البحار. لذا يتعين على الصين المشاركة بشكل أكبر فى التعاون الأمنى الإقليمى والدولى لحماية حقوق ومصالح الشعب الصينى.
ونلاحظ بأن تعميق علاقات الصين مع دول الشرق الأوسط، وعلى الأخص العالم العربى والخليج العربى، والذى يشار إليه فى وزارة الخارجية الصينية بإسم (منطقة غربى آسيا وشمالى أفريقيا)، خارج نطاق التجارة بات يقلق الولايات المتحدة الأمريكية، خاصةً وأن إدارة الرئيس الأمريكى “جو بايدن” قد إتخذت مؤخراً خطوات لتقليل الإهتمام بالمنطقة، وبالتالى فتح الباب أمام الهيمنة الصينية من وجهة النظر الأمريكية. ومنذ مجئ إدارة الرئيس الأمريكى “جو بايدن” إلى البيت الأبيض، تزايد الحديث عن دور الصين وأهمية تحجيمه وبدأ يتردد فى الكثير من التصريحات داخل أروقة البيت الأبيض وبين الساسة الأمريكان، وهو ما يمثل إستمراراً لسياسة الإدارة الأمريكية السابقة التى فتحت جبهة صريحة للحرب الإقتصادية مع بكين، وهو ما إعتبره البعض بمثابة معركة تكسير عظام بين القوتين العظمتين فى العالم. وفى ذات الإطار، فقد كثفت أعمال بناء القوة الناعمة الصينية في عهد الرئيس الصينى “شى جين بينغ” خاصةً بعد المؤتمر الوطنى العشرين للحزب الشيوعى الحاكم فى بكين فى ١٦ أكتوبر ٢٠٢٢، من خلال إعلانه الصريح بأنه “يجب علينا زيادة القوة الناعمة للصين”، متزامناً مع طرح عدد من المشاريع الصينية التنموية حول العالم وفى منطقة الشرق الأوسط بعد الإعلان الصينى عن تدشين مبادرة الحزام والطريق عام ٢٠١٣، ومن أبرزها مشروعات:
(الحلم الصينى، الحزام وحلم آسيا والمحيط الهادئ، الحزام الإقتصادى لطريق الحرير، وملاحة طريق الحرير للقرن الحادى والعشرين، ونوع جديد من العلاقات مع الدول الكبرى)، وغيرها.
وفى ظل تلك المنافسة الشديدة تضغط كل قوة منهما لفرض نفوذها على جبهات عدة لتحصل على أكبر قدر من النقاط، ويتجلى ذلك فى منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، ولاسيما بعد نجاح جهود الوساطة الصينية فى تحقيق التقارب والمصالحة السعودية الإيرانية. وهو ما إتضح جلياً فى إطار سعى الصين إلى توسيع نفوذها فى المنطقة، ليس فقط إقتصادياً ولكن أيضاً عسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً، متحدية بشدة الدور الطويل الأمد للولايات المتحدة الأمريكية كقوة مهيمنة فى المنطقة لفترة طويلة. خاصةً مع إتفاق وتشارك كافة دول منطقة الشرق الأوسط والخليج العربى مع الصين حول وجهات نظرها بشأن أهمية الحفاظ على سيادة الدول وإحترام مبدأ عدم التدخل فى شئون الدول الأخرى خاصةً فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان.
وبعد رعاية الصين للإتفاق السعودى – الإيرانى، متزامناً فى الوقت ذاته على توقيع “شركة أرامكو السعودية” إتفاقاً مع بكين لبناء مصفاة ومجمع للبتروكيماويات السعودية فى الصين، بات يتوقع زيادة فى الإنخراط السياسى والدبلوماسى للصين وأيضاً الأمنى لها فى منطقة الشرق الأوسط. وظهرت بعض المؤشرات الهامة لذلك، فبعد أسبوعين فقط على قرار السعودية وإيران إستئناف العلاقات بينهما بوساطة صينية، تم كذلك إعلان إستئناف العلاقات القنصلية بين المملكة العربية السعودية وسوريا بوساطة روسية، وهذا ما يعتبر تحدياً سعودياً سافراً للولايات المتحدة الأمريكية لمعارضتها الشديدة لأى تحركات لدول المنطقة لتطبيع العلاقات مع نظام الرئيس السورى “بشار الأسد”. لذا خرجت تصريحات فورية من قبل المتحدث بإسم وزارة الخارجية الأمريكية، مؤكداً بأن: “موقف الولايات المتحدة الأمريكية من التطبيع مع النظام السورى لم ولن يتغير، وإنها لن تشجع دولاً أخرى على تطبيع العلاقات مع الأسد”.
وتحرص الصين على المشاركة بفعالية فى مهمات مكافحة القرصنة فى خليج عدن وبحر العرب ومصر، كما أجرت عمليات إنقاذ لرعاياها في ليبيا عام ٢٠١١، واليمن عام ٢٠١٥ وذلك بعد إندلاع ثورات الربيع العربى. وكان لها دور فعال في إقناع طهران بالتوقيع على الإتفاق النووى الإيرانى عام ٢٠١٥ قبل إبطاله منفرداً من قبل إدارة الرئيس الأمريكى السابق “دونالد ترامب”. وتحاول الصين الحضور بفعالية فى منطقة الشرق الأوسط من خلال تعيين مبعوثين خاصين لدول الشرق الأوسط فى القضايا المتنازع عليها. فضلاً عن إنشاء الصين لأول قاعدة عسكرية لها في الخارج فى جيبوتي عام ٢٠١٧، فضلاً عن العسكرة المحتملة لميناء “غوادر الباكستانى”. كما جاء الحرص الصينى على إجراء تدريبات بحرية مشتركة مع مصر وإيران والسعودية.
وهنا تأتى خطوة المصالحة السعودية الإيرانية بوساطة صينية، بمثابة أكبر إنخراط أمنى وسياسى لبكين فى منطقة الشرق الأوسط، فى محاولة صينية للتهدئة بعد سلسلة من التوترات فى منطقة المضائق البحرية بين إيران وبلدان الخليج العربى والسعودية فى مضيق هرمز وخليج عدن وباب المندب، والتي زادت التوتر بين إيران وخصومها الجيوسياسيين فى المنطقة. لذا جاء التدخل الصينى ناجحاً لوقف تلك التوترات فى المنطقة. ويدور الآن نقاش أكبر فى بكين حول إضطرار الصين إلى مواجهة دور أمني أكبر لحماية مصالحها في المنطقة ولتوسيع دائرة حلفائها وأصدقائها وشركائها الإقليميين لمواجهة النفوذ الأمريكى عليها وتشتيته فى عدة جبهات دولية. ويجادل عدد متزايد من الخبراء الصينيين بأنه يجب على الدولة أن تتخلى عن صورتها كمتسابق حر فى المنطقة، وأن تزيد من وجودها العسكرى. وهنا يتضح لنا وبالدليل بأن مبادرة الحزام والطريق الصينية لا تعزز التجارة العالمية فقط، ولكنها تخلق أيضاً نظاماً إقتصادياً خارج سيطرة واشنطن، مما سيولد فى مرحلة ما تحدياً للهيمنة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط.
ومن خلال العرض والتحليل السابق، نفهم أسباب ذلك القلق الأمريكى المتزايد من تزايد النفوذين الصينى والروسى تخوفاً من إزاحة النفوذ الأمريكي من المنطقة بعد تراجعه. ومن أجل ذلك تحاول واشنطن منع رسم نظام عالمى جديد بقوة ناعمة صينية، وذلك عبر وقف هذا التمدد الصينى فى عمق قضايا الشرق الأوسط، وخاصةً فى دول الخليج العربى، كما أعربت واشنطن على الدوام عن تحفظاتها بشأن إستخدام دول الخليج لتكنولوجيا شبكات “هواوى للجيل الخامس الصينية”، وكذلك التخوف من تنامى حجم الإستثمارات الصينية فى البنية التحتية الحساسة فى الخليج العربى والشرق الأوسط مثل الموانئ. ومن هنا باتت التساؤلات تدور حول: ما الذى يمكن أن تفعله واشنطن إزاء ذلك؟ ما الذى أدى إلى تراجع الدور الأمريكى فى الشرق الأوسط؟ ثم أخيراً، هل بإستطاعة دول الخليج الإستغناء عن أمريكا وإستبدالها بالصين؟