خصائص وفضائل ليلة القدر
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد:
لقد فضَّل الله عشرَ رمضانَ الأخيرة، وأودَعَها الفضائل والمفاخر والمزايا الكثيرة، وأعطى فيها هذه الأمة ما لم يُعطِ غيرها من المواهب الشهيرة؛ ومن خصائص هذه العشر أنْ جعَلَ اللهُ فيها ليلةَ القدر، التي هي أفضل ليلة في سائر العام بنصِّ القرآن والسنة، قال الشيخ السعدي:” وسُمِّيت ليلة القدر: لعظم قدرها وفضلها عند الله، ولأنه يُقدَّر فيها ما يكون في العام من الأجل والأرزاق والمقادير القَدَريَّة”.
ومن خصائص هذه الليلة المباركة:أن الله تعالى جعلها محلا لنزول القرآن العظيم، قال تعالى: ” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ “، وقال تعالى ” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ”، وعنِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ:” أُنْزِلَ القُرآنُ جُمْلَةً واحدَةً إلى السماءِ الدُّنيا في ليلَةِ القَدْرِ، ثُمَّ نَزَلَ بعدَ ذلكَ في عشرِينَ سَنةً، وقَرَأَ: ” وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا “.
ومن خصائصها؛ أن العبادة فيها خير من عبادة ألف شهر، قال تعالى:” وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِليلة القد خير من ألف شهر “.
عن أنسِ بنِ مالكٍ قالَ:” دَخَلَ رمَضَانُ فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:” إنَّ هذا الشهرَ قَدْ حَضَرَكُم، وفيهِ ليلَةٌ خيرٌ مِن ألفِ شهْرٍ، مَن حُرِمَهَا فقد حُرِمَ الخيرَ كُلَّهُ، ولا يُحْرَمُ خيرَها إلاَّ مَحْرُومٌ”.
يقول الشيخ السعدي رحمه الله:” وهذا مما تتحيَّرُ فيه الألباب، وتَندهشُ له العُقولُ، حيث مَنَّ تبارك وتعالى على هذه الأمةِ الضعيفةِ القُوَّةِ والقُوى بليلةٍ يكونُ العَمَلُ فيها يُقابلُ ويَزيدُ على ألفِ شهرٍ، عُمُرَ رجلٍ مُعمَّرٍ عُمُراً طويلاً نيِّفاًوثمانين سنةً”.
ومن خصائصها أنها ليلة مباركة؛ قال الله تعالى:” إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ” ومعنى ذلك أنها ليلة كثيرة البركة لما فيها من نزول الرحمات ومغفرة السيئات.
ومن خصائصها، أنها ليلة تتنزل فيه الملائكة بالرحمات على أهل الأرض؛ قال الله تعالى: ” تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ “.
وقد بين الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كثرة نزول الملائة في تلك الليلة فقال:” إنَّ الملائكةَ تلكَ الليلَةَ أكثَرُ في الأرضِ من عَدَدِ الحَصَى“.
يقول الحافظ ابن كثير:” يَكثُرُ تَنزلُ الملائكةِ في هذهِ الليلَةِ لكثرَةِ بَركَتِها، والملائكةُ يَتَنَزَّلُونَ مَعَ تَنَزُّلِ البَرَكَةِ والرَّحْمَةِ، كمَا يَتَنزَّلُونَ عندَ تلاوَةِ القُرآنِ ويُحيطُونَ بحِلَق الذِّكْرِ”.
ومن خصائصها، أنها ليلة سلام وطمأنينة وأمن لا شر فيها؛ قال الله تعالى:” سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ “.
وفي معنى الآية يقول الإمام الشوكاني:” ما هيَ إلاَّ سلامةٌ وخيرٌ كُلُّها لا شَرَّ فيها، وقيلَ: هيَ ذاتُ سلامَةٍ مِن أنْ يُؤثِّرَ فيها شيطانٌ مِن مُؤمنٍ أو مُؤمنةٍ”.
ومن فضائلها: أنَّ الدُّعاء فيها مظنةُ الإجابة، فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت:” قُلتُ يا رسولَ اللهِ: أَرَأَيْتَ إنْ عَلِمْتُ أيُّ ليلَةٍ ليلَةُ القَدْرِ ما أقُولُ فيها؟ قالَ: قُولي: اللهُمَّ إنكَ عُفُوٌّ تُحبُّ العَفْوَ فاعفُ عنِّي”متفق عليه.
ومن خصائصها؛ أن من قام ليلها إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه.
قال صلى الله عليه وسلم:” مَن قامَ ليلَةَ القَدْرِ إيماناً واحتِساباً غُفِرَ لهُ ما تقَدَّمَ من ذنبهِ”.
لهذا حرص الصحابة والتابعون على قيام ليلها؛ ومن فرْط حبِّهم لهذه اللَّيالي المباركة: أنَّهم كانوا يستحبُّون أن يغتسِلوا كلَّ ليلةٍ من لياليها – كما كان يفعل النخعي – وكان أيُّوب السختياني يغتسِل ليلة ثلاث وعشرين، وأربع وعشرين، ويلبَس ثوبَين جديدين، ويتطيَّب.
ورُوي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنَّه إذا كان ليلة أرْبع وعشرين، اغتسل وتطيَّب، ولبس حلَّة: إزار ورداء، فإذا أصبح طواهُما فلم يلبَسْهما إلى مثلِها من قابل.
وقال ثابتٌ البناني:” وكان لتميم الدَّاريِّ حُلَّة اشتراها بألف درهم، وكان يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر”.
ولم يقتصروا في إحيائها على الصلاة فقط بل أضافوا إليها قراءة القران؛ فقد نقَلَ الذَّهبي عن الأسودِ بن زيْد:”أنَّه كان يَختم القرآن في رمضان في كلِّ ليلتَين، وكان ينام بين المغرب والعشاء، وكان يَختم القُرآن في غير رمضان في كلِّ ستِّ ليال”.
وكان قتادة – رحِمه الله – يَختم القُرآن في كلِّ سبع ليالٍ مرَّة، فإذا دخل رمضان ختمَ في كلِّ ثلاث ليال مرَّة، فإذا دخل العشْر ختم في كلِّ ليلة مرَّة.
وكان الشَّافعي يَختم القُرآن في شهْر رمضان ستِّين ختمة، وفي كل شهرٍ ثلاثين ختمة، يَختمه في صلاة، وليس قراءة.
إن كان هذا حال الصحابة والتابعين، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وبشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة؛ فنحن أحوج إلى ذلك منهم، فاحرص أخي القارئ الكريم على اغتنام ما بقي من ليالي في الطاعة والعبادة، وتحري ليلة ليلة القدر، أيقظ أهلك وأولادك من الليل ولا تضيع وقتك في مشاهدة المسلسلات والبرامج، فهذه الأيام لا يحرم خيرها إلا من حرم.
قال ابن رجب: “ولم يكُن النبيُّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم – إذا بقي من رمضان عشَرة أيَّام، يدَع أحدًا من أهلِه يُطيق القيام إلاَّ أقامه”.
وقال سفيان الثَّوري: “أَحب إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يَتهجَّد باللَّيل، ويَجتهِد فيه، ويُنهِض أهله وولدَه للصَّلاة إن أطاقوا ذلك”.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين