دمحمد حامد يكتب … من بركات العشر الأواخر من رمضان
بقلم : أد/محمد حامد محمد سعيد – الأستاذ المساعد بجامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية يوني شمس (UniSHAMS) – ماليزيا
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الهادي الأمين، خير من عبد ربه حتى تورمت قدماه، وخير من أمرنا ربنا عزوجل باتباعه والاقتداء به وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد؛
من المعلوم لدينا جميعاً أن شهر رمضان فضله الله تعالى بجمع من الفضائل والخصائص دون غيره من أشهر العام كله، ثم يأتي تفضيل أخر داخل الشهر نفسه فنرى فيه تفضيلاً للعشر الأواخر عن باقي أيام الشهر؛ وذلك لاشتمالها على العديد من الفضائل التي لا توجد إلا في رحابها وفقط، ولا تتكرر أيضا إلا في رمضان القادم لمن أمد الله تعالى في عمره، فمن هذه الفضائل الخاصة بالعشر الأواخر من شهر رمضان:
أولاً: اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان: أكثر من باقي الأيام، ففي صحيح مسلم عن السيدة عائشةرضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر”، فالحديث فيه دلالة واضحة على الجد والاجتهاد في العبادة والقرب من الله تعالى، وقيل المراد الكناية عن البُعد عن النساء وعدم الاشتغال بهن في هذا الأيام المباركة في الأرض والمباركة في السماء، وفي الحديث أيضا:”الجِدُّ والاجتهاد في العبادة، خصوصًا في الأوقات الفاضلة، واغتنام صالح العمل في العشر الأواخر من رمضان؛ لأنَّ فيها ليلة خير من ألف شهر”.
ثانياً: وجود ليلة القدر في العشر الأواخر من شهر رمضان**: وما أدراكم ما ليلة القدر إنها الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، والتي تحدث عنها القرآن الكريم نفسه من خلال موضعين من سوره، الأول منهما بدايات سورة الدخان{حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6)}، أما الموضع الثاني فنحفظه جميعاً من خلال سورة القدر في الجزء الثلاثون من القرآن{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)} وعن سبب نزول السورة المباركة ورد عن:”مجاهد قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فتعجب المسلمون من ذلك، فأنزل الله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} قال: خير من التي لبس فيها السلاح ذلك الرجل”، وعن سر التسمية بهذا الاسم -القدر- نقرأ ما جاء في فتح القدير للإمام الشوكاني حاكياً عن الخليل بن أحمد: “إنما سميت ليلة القدر، لأن الأرض تضيق بالملائكة لكثرتهم فيها تلك الليلة”، وليلة القدر ليلة مباركة رغبّ في قيامها وإحيائها رسول الخير صلى الله عليه وسلم من خلال ما ورد في صحيح الإمام البخاري فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”، فالحديث عن ليلة القدر لا يكفيه مقال أو مقالين أو ثلاثة مقالات؛ وإنما يحتاج إلى صفحات وصفحات وأقلام وأقلام نسأل الله تعالى أن يرزقنا إياها هذا العام.
ثالثاً: سنة الاعتكاف: فالاعتكاف وإن كان مشروعاً في كل العام إلا وأنه آكد لزوماً وأكثر استحباباً في العشر الأواخر من رمضان، ففي صحيح البخاري عن عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها، زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده”، والاعتكاف سنة مؤكدة يُستحب فيها للعبد المسلم الإكثار من الطاعات والقرب من ربه عزوجل وقت قلما أن يكون الإنسان مستيقظاً فيه، تحدث عنه القرآن الكريم من خلال النهي عن قربان الزوجة وقت الاعتكاف فقال الله تعالى:{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ}، فوقت الاعتكاف هذا فهو وقت تناجي الحبيب مع حبيبه، وقت تناجي الخليل مع خليله، والمعتكف يعتكف على فعل ما يزيد من حسناته، ويرفع قدره عند خالقه، كصلاة، وذكر، وقراءة للقرآن، وتسبيح، وتهليل…..فأبواب الطاعات والخيرات لا تنته ولا تنقطع في العشر الأواخر من رمضان، فكل ما يُشعر المسلم أنه يقربه من ربه في معتكفه فعليه فعله دون حرج أو إثم، فهي أيام قلما أن تعود إلا في العام القادم إن شاء الله تعالى.
رابعاً: زكاة الفطر: من العبادات المرتبطة بالعشر الأواخر من رمضان عبادة زكاة الفطر وهي كما نعلم جميعاً طهرة للصائم من اللغو الرفث مما يكون قد تعلق بصيام الصائم من خروج في بعض الحالات على آداب الصيام، وأيضا هي طعام للفقراء والمساكين في أيام العيد، ففي سنن الدار قطني عَنِ ابْنِ عُمَرَ , قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ, وَقَالَ: «أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ». وَقَالَ يُوسُفُ: صَدَقَةُ الْفِطْرِ، وفي صحيح الإمام البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة”…..إلى غير ذلك من أحكام زكاة الفطر والتي تحتاج لمقال وحدها لبيان فقهياتها بالتفصيل.
فهذا قليل من كثير مرتبط بالعشر الأواخر من شهر رمضان، وكل عنصر منها يحتاج وحده إلى مقالات ومقالات، ولكن من باب ما لا يُدرك كله لا يُترك كله، وحسبنا أننا نذكر أنفسنا مع تذكير لإخواننا وأخواتنا من المسلمين والمسلمات، اقتداء بقول الله تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[سورة الذاريات:55].
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.