مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي
د.عمرو حلمي
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد :
فإن الله تعالى اختصَ الرجالَ فجعلَ منهم الأنبياءَ ، واختصَ النساءَ فجعلَ منهن أمهاتِ الأنبياءِ ، وأنزلَ سورةً كاملةً تُسمَّى بسورةِ النساءِ.
هذا ودينُ الإسلامِ العظيم كَرَّمَ المَرْأةَ أيَمَا تَكْريمُ.
فمن تكريم الإسلامِ لها : أنْ جعلَ لها حقَ الحياةِ فكانت تدفنُ في الرمالِ وهي حيةٌ فيما عرف بوأد البنات ، قال تعالى : {وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت}.
ومن تكريم الإسلامِ لها : أن كرمها وهي طفلةُ وليدةُ ، فجعلها هبةَ من الله
قال الله تعالى : {لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما} .
ومن تكريم الإسلام لها : بأن جعل لها حقَ التعليمِ ، وجعلها سبباً لدخول والديها الجنة ، وكانت سِترا لهما من النار عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها «أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا وَمَعَهَا ابْنَتَانِ لَهَا فَأَعْطَيْتُهَا تَمْرَةً فَشَقَّتْهَا بَيْنَهُمَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : مَنْ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ» رواه البخاري).
ومن تكريم الإسلام للمرأة : أن جعلَ لها حق الميراث بعد أن كانت تورث، وتباع وتشترى.
ومن تكريم الإسلام للمرأة : أن أمرها بما يصونُها، ويحفظ كرامَتَها، ويحميَها من الألسنة البذيئةِ، والأعينِ الغادرةِ، والأيدي الباطشةِ؛ فأمرَهَا بالحجابِ والسترِ، والبعدِ عن التبرجِ ، وعن كلِّ ما يؤدي إلى فتنتها.
ومن تكريم الإسلام للمرأة : أن أمرَ الزوجَ بالإنفاقِ عليها، وإحسانِ معاشَرَتِهَا، والحذرِ من ظلمها ، والإساءةِ إليها.
بل ومن المحاسن أيضاً أن أباحَ للزوجين أن يفترقا إذا لم يكن بينهما وفاق، ولم يستطيعا أن يعيشا عيشةً سعيدةً؛ فأباحَ للزوج طلاقَها بعد أن تخفقَ جميعُ محاولاتِ الإصلاحِ، وحينَ تصبحُ حياتُهُمَا جَحِيْمَاً لا يطاقُ.
وأباحَ للزوجةِ أنْ تفارقَ الزوجَ إذا كان ظالماً لها، سيئاً في معاشرتها، فلها أنْ تفارقْهُ على عوضٍ تتفقُ مع الزوجِ فيه، فتدفعْ له شيئاً من المال، أو تصطلحْ معه على شيءٍ معينٍ ثم تفارقُه.
ومن صور تكريم الإسلام للمرأة: أنْ نهى الزوجَ أن يضربَ زوجَتَه بلا مسوغٍ، وجعلَ لها الحقَ الكاملَ في أنْ تشكو حالَهَا إلى أوليائِها، أو أنْ ترفعُ للحاكمِ أمرَهَا؛ لأنَّها إنسانٌ مكرمٌ داخل في قوله- تعالى : {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.
وليسَ حسنُ المعاشرةِ أمراً اختيارياً متروكاً للزوج إنْ شَاءَ فَعَلَهُ وإنْ شاءَ تَرَكَهُ، بلْ هو تكليفٌ واجبٌ. قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم :«لَاَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَّ العَبْدِ،ثُمَّ يُضَاجِعُهَا» رواه البخاري ومسلم . فهذا الحديثُ منْ أبلغِ ما يمكنُ أنْ يقالُ في تشنيعِ ضربِ النِّسَاءِ؛ إذْ كَيْفَ يَلِيْقُ بالإنسانِ أنْ يجعلَ امْرَأَتَهُ – وهي كنفسهِ – مَهِيْنَةً كَمَهَانَةِ عَبْدَهِ بحيثُ يضْرِبُهَا بِسَوْطِهِ، مع أنَّهُ يَعْلَمُ أنَّهُ لابدَ له منَ الاجْتِمَاعِ والاتصالِ الخاصِ بها.
وأما عنْ مُشَارَكَةِ المرأةِ المسلمةِ في الحياةِ بصُوَرِهَا المخْتَلِفَة :
فكانت المرأةُ أولَّ منْ آمَنَ بالنَبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
ومثالُ ذلكَ خَدِيْجَةُ أمُّ المؤمِنِيْنَ : التي وقَفَتْ بجوارِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم دوماً وهي التي استقبلتِ الوَحْيَ في ثباتٍ في حينِ أنَّهَا رَأَتْ زَوْجَهَا يَرْتَجِفُ من شدةِ الوحيِ وعادَ يقولُ : زَمِلُونِي زَمْلِونِي , فكانت أوَلَ منْ بَشَرَّهُ بالنُبُوَةِ فقالتْ :«أبشرْ فوالذي نفسُ خديجةُ بيدِهِ إنِّي لأرجو أنْ تَكُونَ نبيَّ هذه الأمَّةُ» ثم اصطحبته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل.
ولما أُرسِلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وجَهَرَ بالدَعْوَةِ كانَتْ تَقِفُ بجوَارِه وتشُدُ مِنْ أَزْرِهِ .
والمرأةُ المسلمةُ صَبِرَتْ عَلَى الَأذَى في اللهِ وآثَرَتْ الموْتَ عَلَى الحَيَاةِ :
فكانتْ سميةُ بنتُ خياطِ أولَ شهيدةٍ في الإسلامِ على الإطلاق ، فقد ضربتْ لنا أروعَ الأمثالِ في الصبرِ والجلدِ وقوةِ التحملِ ، وهي صابرةٌ محتسبةٌ الأجرَ والمثوبةَ من الله في الدارِ الآخرة.
كما شاركتْ المرأةُ المسلمةُ في الِهجرةِ
فكانتْ رقيةُ بنتُ النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم أولَ مهاجرةٍ في الإسلامِ ، حيث هاجرتْ إلى الحبشةِ مع زَوْجِهَا عثمان بن عفان رضي الله عنهما.
كما شاركت المرأةُ المسلمةُ في الهجرة إلى المدينة وكانتْ درعَاً وَاقياً للدفاع عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
وقدْ ضَرَبَتْ لَنَا أسماءُ بنتُ أبي بكر أروعَ الأمثالِ في مواجهةِ المشركينَ يومَ الهجرةِ حيثْ وقفتْ وَحْدَهَا في مُوَاجَهَةِ الكُفَارِ وعلى رَأْسِهِم أبا جهلٍ عليه لعائنُ الله الذي اقتحمَ دارَ أبي بكر يومَ الهَجْرَةِ ولم يراعِي حرمةَ البيوتِ. وهي التي كانت تذهب بالطعام إلى الغار.
بل كانت المرأةُ المسلمةُ تخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغزوات للقتال وتحملِ الطعامِ والشراب للمجاهدين، بل كانت طبيبةً وممرضةً تضمدُ الجروحَ للجرحى .
فكانت رُفَيْدةُ الأسلميةُ طبيبةُ الأنصارِ أوَّلَ طبيبةً في الإسلامِ تخرجُ في الغزواتِ وتخوضُ المعاركَ ، وتُقَدِّمُ الإسعافاتِ الأوليةِ للمصابينَ وتُضَمِدُ جِرَاحَ المَجْرُوحينَ ، وكانتْ لها خيمةً تَنْصِبها في المعاركِ ، فكانتْ تلكَ الخيمةٌ أولَ مستشفى ميدانيِّ عسكريِّ في الإسلامِ وفي تلكَ الخيمةِ استقبلتْ سعدَ بن معاذِ الذي اهتز عرش الرحمن لموته.
وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يأخذُ بمشورةِ نساءِهِ في الأمورِ العظيمةِ
يتضحُ ذلك جلياً يومَ الحديبيةِ عندما أرادَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يتحللَ من الإحرامِ لأنَّ الكفارَ منعوه منْ دخولِ مكةَ, فشقَّ الأمرُ على أصحابِهِ ولم يفعلواْ، فدخل على أمِّ سلمَةَ رضي الله عنها فقالتْ له : انحرْ هديكَ وَتَحَللْ ، فسوفَ يفعلونَ ما تفعلُ ، وكانتْ سديدةَ الرأيِ ، فنحرَ النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم هدْيَهُ وحَلَقَ رأسَهُ ، وَتحَلَلَ مِنْ إحْرَامِه ، فَمَا إنْ رَآهُ أَصْحَابُه حتى فعلواْ.
كما شاركتْ المرأةُ المسلمةُ في الحياةِ العلميةِ
فكانتْ أمَّ المؤمنينَ عائشةُ رضي الله عنها فقيهةً محدثةً ، يأخذُ عَنْهَا الصَحابةُ العلمَ .
وكانت السيدةُ نفيسةُ رضي الله عنها من شيوخِ الشافعي.
فهكذا حظيتْ المرأَةُ بِمَكَانَةٍ عظيمةٍ في الإسلامِ فليستْ المرأةُ نصفَ المجتمعِ كما يقالُ بل هي كلُّ المجتمعِ . هي الأمُّ ، والزوجةُ، والبنتُ ، والأختُ ، والعَمَّةُ ، والخَالةُ وهي العالمةُ والفقيهةُ ، وشقيقةُ الرجلِ في الحقوقِ والواجباتِ.
بل كانتْ آخرُ وصايا الإسلامِ هي الوصيةُ بالنساءِ خيْرَاً.