استقبال شهر الخيرات
د. شعبان عبد الحميد رفاعي
جامعة السلطان عبد الحليم معظم شاه الإسلامية العالمية (UniSHAMS) ماليزيا.
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فنحن في هذه الأيام المباركة نستعد لاستقبال ضيف عزيز يهل على الأمة الإسلامية كل عام بخيره وببركته، وبعتقه من النيران.
أيام معدودات تفصلنا عن شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.
قال تعال:” شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ”.
ولعظيم فضله؛ كان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدومه، ويحثهم على اغتنامه بالعمل الصالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حرم” (رواه الإمام النسائي).
لقد باتت أيام هذا الشهر على الأبواب فماذا نحن فاعلون؟.
كثير من الناس يستعدون لشهر رمضان بتوفير مستلزمات الحياة من الطعام والشراب، وغيرها، وكأن شهر رمضان موسم للأكل والشرب والنوم، وليس موسما للعبادة والطاعة والجهاد والقرب من الله سبحاته وتعالى.
كما أن بعض الناس وللأسف الشديد يجعل من شهر رمضان موسما ترفيهيا، فيعكف على مشاهدة المسلسلات التي تعرض في رمضان وما أكثرها؛ فيضي ليله ينتقل من قناة إلى قناة حتى مطلع الفجر، ويقضي نهاره في النوم.
لقد علمنا ديننا الحنيف كيف نستعد لهذا الموسم العظيم، فأول ما يبدأ به المسلم استعداده لهذا الشهر الكريم؛ هو توبة نصوح صادقة، يقلع من خلالها عن كل ذنب، ويندم على ما فرط في جنب الله تعالى، ويعاهد الله على عدم العود إلى الذنوب والمعاصي مرة أخرى، ويتحلل من مظالم العباد، فإن كانت مالا رده لأصحابه، وإن كانت غيبة أو نحوها استحل أصحابها منها.
ومن أعظم ما يعين على المسلم على التوبة الصادقة؛ استحضار رحمة الله تعالى بعباده، فعلى المسلم أن يدرك أنه مهما بلغت ذنوبه فإن رحمة الله تعالى وسعت كل شيء.
قال تعالى:” قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ” [الزمر:53].
وقال سبحانه:” وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ” [آل عمران:135].
وفي الحديث القدسي بين سبحانه أن المسلم لو بلغت ذنوبه عنان السماء، ثم استغفر الله غفر له: قال تعالى:” يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لآتيتك بقرابها مغفرة”.
وعلى المسلم أن يعلم أن خوفه من الله تعالى، وندمه على ما فرط في حقه هو بداية الطريق الصحيح، وعلامة التوبة الصادقة.
جاء في الصحيحين أن رجلاً أسرف على نفسه في الخطايا فلما حضرته الوفاة قال لأبنائه: إذا أنا مت فاجمعوا لي حطباً ثم احرقوني بالنار ثم اسحقوني وذروني مع الريح، فلما توفي هذا الرجل وفعل أولاده بوصيته قال له الله: يا عبدي، ما الذي حملك على ما فعلت؟ قال: يا رب، خفتك وخشيت ذنوبي، فقال الله: يا ملائكتي، أشهدكم أني قد غفرت له وأدخلته الجنة.
كذلك من الأمور المهمة التي يستقبل بها المسلم شهر رمضان؛ الدعاء أن يبلغنا الله تعالى إياه سالمين، معافين غير فاقدين ولا مفقودين؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء عند اقتراب رمضان سائلا الله تعالى أن يبلغه إياه.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل رجب قال:” اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان” (رواه الإمام أحمد).
وكان السلف الصالح رضوان الله عليهم يستقبلون رمضان بهذا الدعاء، ويودعونه أيضا بالدعاء.
ومن الأمور المهمة التي يحرص المسلم على تحقيقها قبل رمضان؛ أن يشكر الله تعالى على نعمة بلوغه هذا الشهر الكريم، وهكذا حال المسلم يشكر الله على بلوغ كل نعمة.
يقول الإمام النووي رحمه الله:” اعلم أنه يستحب لمن تجددت له نعمة ظاهرة، أو اندفعت عنه نقمة ظاهرة أن يسجد شكراً لله تعالى، أو يثني بما عليه بما هو أهله”
وإن من أكبر النعم وأولاها بالشكر نعمة التوفيق للصيام والقيام.
ومن أهم ما يستقبل به المسلم شهر رمضان المبارك؛ الإكثار من قراءة القرآن، ويفضل أن يجعل الإنسان لنفسه وردا يوميا حتى يتعود على قراءة القرآن قبل دخول رمضان، فإذا ما دخل رمضان وجد في نفسه قوة وتعودا على القراءة ولا يخفى أن رمضان هو شهر القرآن.
كذلك من مهمات الأمور التي يجب على المسلم تحقيقها قبل استقبال رمضان؛ تصفية الصدر مما علق به من الأحقاد والضغائن على مدار عام منصرم، فيحرص المسلم وهو على أعتاب هذا الشهر الكريم على إصلاح ما أفسدته الأيام؛ وليبدأ بصلة الرحم؛ فإنها سبب لقبول الطاعات.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول:” إن أعمال بني آدم تُعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبلُ عمل قاطعِ رَحِمٍ”.
وهي كذلك من أعظم الواجبات، وأفضل الطاعات، وقطيعتها من أعظم الذنوب وأخطر الآفات.
قال الله تعالى:” وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا”.
كما أنها من أسباب شيوع الود والمحبة بين الناس وما أحوجنا إلى ذلك في هذه الأيام المباركات.
أسأل الله تعالى أن يبلغنا رمضان غير فاقدين ولا مفقودين.
والحمد لله رب العالمين.