آليات الاستفادة من تحويل القبلة في الواقع المعاصر
أد/محمد حامد محمد سعيد – الأستاذ بجامعة السلطان عبدالحليم معظم شاه الإسلامية العالمية يوني شمس (UniSHAMS) ماليزيا
مرت أحداث كثيرة في حياة نبينا صلى الله عليه وسلم، هذه الأحداث ينبغي أن لا تمر علينا مرور الكرام هكذا؛ وذلك لكون حياته صلى الله عليه وسلم كلها عِبر وعظات ودروس مستفادة لنا في واقعنا المعاصر نعيش عليه وننهل من نبعه الشريف المبارك، مصدق ذلك قوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، وما نعيشه في أيامنا هذا إنما هو حدث جليل من أحداث أمتنا الإسلامية ألا وهو حدث تحويل القبلة، ونقف علي بعض من الأمور المستفادة من تحويل القبلة نوردها كما يلي:
أولها: إثبات إعجاز القرآن الكريم ونبوة النبي صلى الله عليه وسلم.
هذا الإعجاز القرآني تمثّل في قوله تعالى:{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} فمعلوم أن حرف السين حرف يدخل على الفعل المضارع ويفيد الاستقبال، أي أن وقت نزول هذه الآية لم يكن هذا الحدث قد حدث بالفعل –قول السفهاء-، وقمة الإعجاز هنا أن يُحدّث القرآن الكريم بحدث لم يقع، ثم مع مرور الأيام يأتي الزمان بأقوال ودلالات تدل على وقوعه، ويصدق ما قاله وذكره القرآن الكريم فيما مضى، فالقرآن الكريم قد طمئن قلب النبي صلى الله عليه وسلم بما سيقوله السفهاء من يهود المدينة الكائنين فيها وقتها، ذكر الدكتور الزحيلي قوله:”مهّد الله تعالى لتحويل القبلة في هذه الآيات، وأبان السبب، وقضى على ما علم سبحانه من ظهور اضطرابات عند التحويل، حتى لا يُفَاجأ المسلمون بشيء من حملات التشويش والنقد والتشكيك، فأوضح تعالى أن سفهاء الأحلام وضعفاء العقول والإيمان من طوائف اليهود والمشركين والمنافقين سيقولون منكرين متعجبين: أي شيء صرف المسلمين عن قبلتهم التي كانوا عليها، وهي قبلة الأنبياء والمرسلين؟ أما اليهود فساءهم ترك الاتّجاه لقبلتهم، وأما المشركون فقصدوا الطعن في الدين، ورأوا ألا داعي للتوجه في الحالين، وأما المنافقون: فشأنهم انتهاز الفرص لزرع الشكوك في الدين، ومحاولة الإبعاد عنه بسبب هذا التغيير، وعدم الاستقرار، ومخالفة الأعراف السابقة بالاتّجاه لبيت المقدس، فردّ الله عليهم جميعاً بأنّ الجهات كلها لله، ولا مزية لجهة على أخرى، وليست صخرة بيت المقدس أو الكعبة ذات نفع خاص لا يوجد في غيرهما، وإنما الأمر كله لله، يختار ما يشاء، وأينما تولوا فثّم وجه الله”.
إذا فلفت الأنظار إلى ما يُقال في مستقبل الأيام إنما هو وجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم، ودلالة واضحة على صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم في نبوته ودعوته.
ثانياً: الطاعة المطلقة لأمر الله تعالى وأمر رسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
دأب المسلم دائماً السمع والطاعة لله ولرسوله دون نقاش أو مجادلة أو تدقيق أو تحكيم عقل في أي أمر أو نهي، وهذا ما لفت الانتباه إليه القرآن الكريم والسنة النبوة باعتبارهما أصل التشريع ففي القرآن الكريم نقرأ قوله تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}، وقوله تعالى:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}….، وفي السنة المطهرة ما نقرأه في صحيح البخاري من رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى”…..فالنجاة النجاة في الطاعة المطلقة لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا ما نلاحظه جيداً من خلال تحويل القبلة فقد ثبت في صحيح مسلم في باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة عن ابن عمر، قال: بينما الناس في صلاة الصبح بقباء إذ جاءهم آت فقال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُنزل عليه الليلة، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة» ففي إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للإمام القسطلاني ما نصه:”(فاستداروا إلى الكعبة) بأن تحوّل الإمام من مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخره، ثم تحولت الرجال حتى صاروا خلفه وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال، ولم تتوالَ خطاهم عند التحويل بل وقعت مفرقة”.
فصحابة النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل واحد منهم لماذا التحويل؟ أو ليس هذا وقت التحويل؟ أو ما سبب التحويل؟ ….أو خلاف هذا كله، إنما كانت الطاعة المطلقة العمياء لأمر الله تعالى حتى تقول إحدى الروايات إن التحويل تم أثناء الصلاة نفسها بمعنى صلوا ركعتين قِبل بيت المقدس، ثم ركعتين أخيرتين قِبل البيت الحرام حتى أورد الإمام بدر الدين العينى ما نصه:”فانْحَرَفُوا وهُمْ رُكُوع فِي صَلاَةِ العَصْرِ”أي: اتجهوا تجاه البيت الحرام وهم في الصلاة، هذه هي الطاعة والتسليم للأوامر الإلهية والدلائل المحمدية من مؤمن أثمر الإيمان في قلبه فكانت الطاعة المطلقة ثمرة مستفادة من تحويل القبلة.
وخلاصة لما سبق نقول: من آليات الاستفادة من تحويل القبلة في الواقع المعاصر إثبات إعجاز القرآن الكريم ونبوة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الطاعة المطلقة لأمر الله تعالى وأمر رسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
وللحديث بقية مع آليات الاستفادة من تحويل القبلة في مقالات قادمة إن شاء الله تعالى.