نفحات الأشهرِ الحُرم

سلوى النجار

إنَّ للأشهر الحُرم نفحات ُ طيبات ٍ ومنزلة عظيمة عند الله -تعالى-، فقد اختصّها الله من بين شهور السنة، كما اختصّ غيرها من الخَلْق، والأزمنة، والأمكنة؛ فقد اختصّ من خَلْقه الرُّسل والملائكة،واختصّ من مواضع أرضه المساجد، ومن أيّام السنة يوم الجمعة، ومن الليالي ليلة القَدْر، ويدلّ على تلك المنزلة أنّ الله جعل الذنوب والمعاصي فيها أشدّ إثماً، بينما جعل الطاعات والعمل الصالح أعظم ثواباً وأجراً.[٥] كما أنّ الظلم فيها أشد قُبحاً، وأعظم وِزْراً عمّا سواها من الشهور، ولذلك كان لتلك الشهور حقٌّ على المسلم بوجوب تعظيمها، وتشريفها بالعبادة والعمل الصالح كما شرّفها رب العزّة -سبحانه- بالتعظيم والتحريم.[٥]

عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها أنّها قالت لرسول الله ﷺ: يَا رَسولَ اللَّهِ، نَرَى الجِهَادَ أفْضَلَ العَمَلِ، أفلا نُجَاهِدُ؟ قالَ: لَا، لَكِنَّ أفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ

صحيح البخاري

فمِن لُطْفِ اللهِ عزَّ وجلَّ بالمسلِمينَ أنَّه إذا أُغلِقَ على أحَدِهم بابٌ مِن أبوابِ البِرِّ، عوَّضَه بآخَرَ يَتوافَقُ مع قُدراتِه واستِعداداتِه فالمرأةُ لها قدرات والرجل له قدرات ، والرِّجالَ والنِّساءَ. كل منها لها قدرة حسب الاستطاعة ،من صحة ومرض ، وغنى ً وفقرٍ وتفرغ أوانشغال

post

وفي هذا الحديثِ تَسأَلُ أمُّ المؤمنينَ عائِشةُ رَضيَ اللهُ عنها النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ألَا تُجاهِدُ النِّساءُ؟ وذلك لأنَّ الجِهادَ مِن أفضَلِ الأعمال لما فيه من الشرف والاستشهاد في سبيل الله أو النصر على الأعادي فَلِمَ لا يُشارِكنَ الرِّجالَ في هذا الفَضلِ العَظيمِ؟ فوجَّهَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أنَّ أفضَلَ الجِهادِ حجٌّ مَبرورٌ، أي: لا تُقاتِلنَ يا مَعشرَ النِّساءِ؛ لأنَّ الجهادَ لم يُشرَعْ لَكُنَّ، وليسَ هو أفضلَ الأعمالِ بالنِّسبةِ لِلمرأةِ، أمَّا إذا أردْتُنَّ أنْ تَعرِفْنَ أفضلَ الأعمالِ وأشرَفَ الجهادِ بالنِّسبةِ إليكُنَّ؛ فإنَّه الحَجُّ المَبرورُ، أي: المَقبولُ عِندَ اللهِ تعالَى المُستوفي لِأحكامِه، الخالي مِن الرِّياءِ والسُّمعةِ والإثمِ والمالِ الحَرامِ

وسُمِّيَ الحجُّ جِهادًا إمَّا مِن بابِ التَّغليبِ، أو على الحَقيقةِ، والمرادُ جِهادُ النَّفسِ؛ لِما فيه مِن إدْخالِ المَشقَّةِ على البدَنِ والمالِ

وفي الحديثِ: أنَّ الجِهادَ ليس مَفروضًا على النِّساءِ

وفيه: أنَّ الجِهادَ مِن أفضَلِ الأعمالِ للرِّجالِ

وفيه: أنَّ الحجَّ مِن أفضَلِ الأعمالِ للنِّساءِ

لذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تكثر من الحج بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ،لما فيه من الثواب والاجر العظيم ، وفي الاشهر الحرم أعمال صالحات مثيرات لمن إراد أن يغتنم الأجور العظيمة ،الذكر ، والذكر يشمل التسبيح والتهليل والتكبير ،والتحميد ، وقراءة القرآن

كما ان للصدقات فضائل كبريات ،فمنها أنها تطفيء غضب الرب ،وتغني الفقير فيدعو للغني وتؤلف بين القلوب ، وتقي من العوز فتقضي على ذل السؤال ، ويضاعف للمسلم الأجور الكثيرة، لأن الكريم تقع صدقته في يد أكرم الأكرمين قبل أن تقع في يد الفقير، كما أن من الأعمال الصالحة في هذه الإيام المباركات زيارة المرض ، وصلة الأقارب ،وإصلاح ذات البين ، وإصلاح ذات البين من أفضل القربات إلى الله ،فقد يكون الصلح سببًا في خير كثير لمن يُقام من أجله ، وخير كثير لمن قام به وفيه قول الله تعالى :{والصلح خير}النساء فالمسلم الواعي عليه أن يغتنم الفرص والمناسبات التي يتقرب ب فيها إلى الله عز وجل ليغتنم الأجور الطيبات ، ليغفر له رب العباد الذنوب والزلات

فاللهم صلي وسلم وبارك على سيد الخلق ومعلم البشرية صلاةً تحيا بها قلوبنا وتُغفر بها ذنوبنا ونُرفع بها في أعلى المراتب والدرجات

زر الذهاب إلى الأعلى