سلوى النجار تكتب « خذ الأمر بقوة وانتهِ »
سلوى النجار
إنَّ الأوامر الإلهية والأوامر النبوية التي جاءت في الكتاب والسنة النبوية المطهرة لابد أن تؤخذ بقوة ،بلا تردد أو تذبذب ،إنَّ الرب الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك ،هو الذي يعلم مكنونات نفسك ،وخبايا صنعته ،لذا عندما خُلق الإنسان لم يُترك هكذا سُدىٰ ولاهملًا ،انظر إلى الأم والأب في عالم الإنسان والحيوان والطير ،عندماتنجب طفلًا ،هل تتركه بلا عناية أو رعايه تدبر هذا الأمر وتأمله من قبل الزواج في عالم الحيوان والطير ستجد العجب العجاب من إعداد ورعاية وعناية من بداية الزواج والتزاوج ،وبناءالعُش في عالم الطير إلى مرحلة الإنجاب ثم الرعاية ، وعندهم قواعد وقوانين صارمة يسيرون عليها ،أما في الإنسان فانظر إلى الخالق عز وجل ،خلقنا ولم يتركنا هكذا بل أول أمر أمره لأدم عليه السلام كان اسكن الجنة ولاتفعل كذا ، ولما وقع في المحظور ألهمه التوبة فتاب ،وتاب الله عليه ، وكل هذا اتباعًا لأمر المولى عز وجل .ورب العزة والجلال أنزل الكتب والرسل والأنبياء من أجل تذكير الإنسان بهدف وجوده في هذه الحياة القصيره، وبما يريده المولى عز وجل منه من أمر ونهي ،وذلك حتى تستقيم الحياة كما جعلها الرب الكريم ، ولأن هذه الأوامر والنواهي ماجاءت ؛ليشقى بها الإنسان ويتعب ، ولكن هي فيها صلاح الانسان واستقامته وصلاح الكون كله من حوله واستقامته ، ولايمكن أن تعيش البشرية في سلام وعدل وراحة إلا باتباع منهج الله في هذا الكون ، وبقوة في الأخذ انظر إلى قوله تعالى:
{يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}مريم12
قال مجاهد:بجِد،وقال ابن زيد: قال: القوّة: أن يعمل ما أمره الله به، ويجانب فيه ما نهاه الله عنه .
وهنا لابد من تنفيذ الأوامر بقوة وليس القول كما يقول كثير من الناس عندما اقتنع عندما افهم ،هل اذا طلب منك مديرك في الشركة مثلًا أمرًا أقول له عندما أفهم او عندما أقتنع بالتأكيد لا؛
لذا لابد من الأخذ بقوة وبعزم على طاعة الله عز وجل عبادة وامتثالًا لأمره، وانظر إلى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم: عندما نزل تحريم الخمر بعد التمهيد لهذا التحريم،ماذا فعل الصحابة رضوان الله عليهم.؟!؟اخذوا الأمر بقوة وصرامة فانتهوا في نفس اللحظة التي سمعوا فيها الأمر بالتحريم والاجتناب.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قالَ: كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ في مَنْزِلِ أبِي طَلْحَةَ، فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، فأمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى، فَقالَ أبو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ ما هذا الصَّوْتُ، قالَ: فَخَرَجْتُ فَقُلتُ: هذا مُنَادٍ يُنَادِي: ألَا إنَّ الخَمْرَ قدْ حُرِّمَتْ، فَقالَ لِي: اذْهَبْ فأهْرِقْهَا، قالَ: فَجَرَتْ في سِكَكِ المَدِينَةِ، قالَ: وكَانَتْ خَمْرُهُمْ يَومَئذٍ الفَضِيخَ، فَقالَ بَعْضُ القَوْمِ: قُتِلَ قَوْمٌ وهْيَ في بُطُونِهِمْ، قالَ: فأنْزَلَ اللَّهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93].
صحيح البخاري
وفي شرح هذاالحديث كما شرحه العلماء:
اللهُ عزَّ وجلَّ حَرَّم الخمرَ؛ لِمَا فيها مِن مَفاسدَ تَعودُ بالضَّررِ على العقلِ والمالِ، وبسَببِهَا يَرتكِبُ الإنسانُ الكثيرَ مِن الذُّنوبِ والمعاصي وقد يرتكب الكبائر ،وقد يرتكبها مع المحرمات عليه شرعًا ؛ لغيابِ عقلِه، والخمْرُ مِن التَّخميرِ، وهو التَّغطيةُ؛ سُمِّيتْ بذلك لأنَّها تُغطِّي العقْلَ، فتكونُ رَأسًا لوُقوعِ العبْدِ الشَّاربِ في المُوبِقاتِ.
وفي هذا الحديثِ يَحكي أَنَسٌ رضِيَ الله عنه: أنَّ الخمرَ التي «أُهْرِيقَتْ» -يعني: سالَتْ وصُبَّتْ- عندما نزل تحريمُ الخَمرِ؛ الفَضِيخُ، وهي المصنوعةُ من البُسْرِ، وهو ثَمَرُ النَّخلِ قبْلَ أنْ يَنضَجَ ويَصيرَ رَطْبًا.
ويُخبِرُ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كان يَسْقي القومَ في بيْتِ أبي طَلْحَةَ الأنصاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، فنزَلَ تَحريمُ الخمرِ في الآياتِ التي في سُورةِ المائدةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 90، 92].
فأمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُناديًا، فنادى ليُعْلِمَ المسلِمين في المدينة أنَّ الخمْرَ قدْ حُرِّمَتْ، وكان ذلك عامَ الفتحِ سنةَ ثمانٍ مِنَ الهِجرةِ، فقال أبو طَلْحَةَ لأنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: اخرُجْ فانظُرْ ما هذا الصَّوتُ. فخرَجَ أنسٌ رَضِيَ اللهُ عنه وسمع الصَّوتَ، ثم عاد لأبي طلحةَ رَضِيَ اللهُ عنه، فأخبره أنَّ مُناديًا ينادي: أَلَا إنَّ الخمرَ قدْ حُرِّمَتْ.
فأسرع أبو طَلْحَةَ في تنفيذِ الأمرِ، وأمر أنَسًا رَضِيَ اللهُ عنهما أن يُكفِئَ الآنيةَ التي بها الخمرُ، فذكر أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ الخَمرَ سالت في سِكَك وطُرُق المدينةِ؛ من شِدَّةِ امتِثالِ النَّاسِ لأمرِ اللهِ سُبحانَه ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
فذكر بعضُ أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ بَعْضَهم قُتِلَ أو مات والخَمرُ في بُطونِهم ولمْ يَمُرَّ وقْتٌ طَويلٌ على شُربِهم لها، فأنْزَلَ اللهُ: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} [المائدة: 93]، أي: لَيْسَ على الذين آمَنوا إِثْمٌ فيما طَعِموا وشَرِبوا مِن الخمرِ قبْلَ تَحريمِها؛ فقد كان شُرْبُهم لها قبْلَ النَّهيِ عنها؛ ولذلك فإنَّهم لا يُؤاخَذونَ به؛ لأنَّ التَّحريمَ إنَّما يَلزَمُ بالنَّهيِ، وما كان قبْلَ النَّهيِ فالعَبدُ غَيرُ مُخاطَبٍ به.
وفي الحَديثِ: فَضلُ أبي طلحةَ والصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم؛ إذ استجابوا لأمْر اللهِ بسُرعةٍ ودونَ سُؤالٍ، وهذا هو الذي يَنبغي للمُسلمِ الحقِّ.
مادام الله قال وأمر ،ونبيه صلى الله عليه وسلم بين ووضح ،وامتثل لأمره سبحانه ،وامتثل صحابته رضوان الله عليهم ،فلمَ التثاقل والتخاذل ،والبعد عن منهج الله ورسوله ،ألا إنَّ هذه الفتن التي تغوص فيها الأمة ،ماهي إلا بسبب البعد عن منهج الله وشريعة الإسلام التي جاءت لهداية البشرية ،ولإقامة العدل والعدالة ،والنهوض بالأمة من وحل الثقافات الغربية إلى نور الإسلام وعز الاسلام ،فخذوا الكتاب بقوة ،وصدق وثبات على الحق ،حتى يأتي نصر الله ،
{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ }(40)الحج