فضائل شهر رجب وبيان المعتقد الصحيح في تعظيمه
د. عمرو حلمي – من علماء الأزهر
«رجب» : هو الشهر السابع من الشهور القمرية العربية ، وهو الشهر الرابع من الأشهر الحرم ، كانت تعظمه العرب في الجاهلية كما عظمه الإسلام.
و«رجب» : مأخوذ من الترجيب وهو التعظيم , ويجمع على أَرْجَاب ورِجَاب ورَجَبات.
حكاه الشيخ علم الدين السخاوي في جزء جمعه سماه : «المشهور في أسماء الأيام والشهور»، فيما ذكره عنه ابن كثير في«التفسير».
قال تعالى : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}[التوبة:36].
ففي الآية الكريمة يتجلى تعظيم الله تعالى للأشهر الحرم ونهيه عن الظلم فيها تشريفاً لها.
كما بين النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشهر الحرم وحددها في الحديث المتفق على صحته بقوله : «أَلَا إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْم خَلَقَ اللَّه السَّمَاوَات وَالْأَرْض ، السَّنَة اِثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ، مِنْهَا أَرْبَعَة حُرُم، ثَلَاثَة مُتَوَالِيَات : ذُو الْقَعْدَة ، وَذُو الْحِجَّة ، وَالْمُحَرَّم ، وَرَجَب مُضَر الَّذِي بَيْن جُمَادَى وَشَعْبَان».
فعلمنا من هذا الحديث أن الأشهر الحرم أربعة منها ثلاثة أشهر متتالية وهي : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، وواحد فرد وهو رجب ، وسمي
«رجب مضر» نسب إلى قبيلة مضمر التي كانت تحرص على تحريمه.
ومن مظاهر فضائل الأشهر الحرم :
أنها تتضاعف فيها الحسنات ويتزايد فيها الأجر والثواب ، ويتنزل فيها الرحمات ، وكذلك تكون السيئات أعظم فيها من أي وقت آخر.
وأما عن فضائل رجب بصفة خاصة فالجدير بالذكر أنه لم يرد حديث صحيح يخص رجب بالفضل، إلا هذا الحديث الذي رواه أحمد ، والنسائي بإسناد حسن من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قلت : يا رسولَ الله ، لم أرَك تصوم شهرًا مِن الشهور ما تصومُ مِن شعبان؟! قال : «ذلك شهرٌ يغفُل الناس عنه بين رجَب ورمضان ، وهو شهرٌ تُرفَع فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين ، فأحبُّ أن يُرفَع عمِلي وأنا صائِم».
فهذا الحديث وإن كان يدل بدلالة المنطوق الصريح على فضل شهر شعبان فهو يدل كذلك بدلالة المفهوم غير الصريح أن رجب له فضل كشعبان.
قال أبو بكر الوراق البلخي : «شهر رجب شهر الزرع ، وشعبان شهر السقي للزرع ، ورمضان شهر حصاد الزرع».
وقال أيضاً : «مثل شهر رجب مثل الريح ، ومثل شعبان مثل الغيم ، ومثل رمضان مثل القطر».
وقال بعضهم : «السنة مثل الشجرة ، وشهر رجب أيام توريقها ، وشعبان أيام تفريعها ، ورمضان أيام قطفها، والمؤمنون قطافها».
ومن فضائل الأشهر الحرم : استحباب الصيام فيها ، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم استحباب صيام الأشهر الحرم في جملتها ، فلم يخصص صيام شهر منها بعينه إلا شهر المحرم وسماه شهر الله كما في «صحيح مسلم» : «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ».
ومن الأحاديث التي وردت في فضل استحباب صيام الأشهر الحرم في جملتها ، هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، وابن ماجه ، والبيهقي بسند جيد عن رجل من باهلة : «أنّهُ أتى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ، ثُمّ انْطَلَقَ فَأتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيّرَتْ حَالُهُ وَهَيْئَتُهُ ، فقال: يَا رَسُولَ الله أمَا تَعْرِفُنِي؟ قال : وَمَنْ أنْتَ؟ قال : أنَا الْبَاهِليّ الّذي جِئْتُكَ عَامَ الأوّلِ ، قال : فَمَا غَيّرَكَ وَقَدُ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟ قُلْتُ مَا أكَلْتُ طَعَاماً مُنْذُ فَارَقْتُكَ إلاّ بِلَيْلٍ ، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِمَ عَذّبْتَ نَفْسَكَ ، ثُمّ قال : صُمْ شَهْرَ الصّبْرِ وَيَوْماً مِنْ كُلّ شَهْر ٍ، قال : زِدْني فإنّ بِي قُوّةً ، قال : صُمْ يَوْمَيْنِ ، قال : زِدْنِي ، قال: صُمْ ثَلاَثَةَ أيّامٍ ، قال : زِدْنِي ، قال: صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرْمِ وَاتْرُكْ، وَقال بِأصَابِعِهِ الثّلاَثَةِ فَضَمّهَا ثُمّ أرْسَلَهَا».
فهذا الحديث يستفاد منه صيام شهر رجب أو بعض منه على اعتباره من الأشهر الحرم ، يستوي في ذلك أوّلُ يوم مع آخره.
أما تخصيص شهر رجب بصيام يوم منه معين أو قيام بعض لياليه أو تخصيص ليلة السابع والعشرين منه فهذا كله لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم.
قال ابن حجر : إن شهر رَجب لم يرِد حديث خاصٌّ بفضل الصِّيام فيه ، لا صحيح ولا حسن.
والمعروف أن الحافظ ابن حجر أَلَّفَ رسالة بعنوان : «تبيِين العجب بما ورد في فضل رجب» ، جمع فيها الأحاديث الواردة في فضائل شهر رجب وصِيامه والصلاة فيه ، وقسَّمها إلى ضعيفة وموضوعة.
كما ذكر له ثمانيةَ عَشَرَ اسمًا ، من أشهرها :
«الأصمّ» : لعدم سَماع قَعقعةِ السلاح فيه؛ لأنه من الأشهر الحرم التي حُرِّم فيها القتال.
و«الأصبّ» : لانصباب الرّحمة فيه.
و«مُنْصِل الأَسِنّـَة» : سمي هذا الشهر مُنْصِل الأَسِنّـَة أَي مخرِج الأَسِنَّة من أَماكنها ، لأن أهل الجاهلية كانوا إِذا دخل رجب نزَعوا أَسِنَّة الرِّماح ونِصالَ السِّهام إِبطالاً للقتال فيه وقطعاً لأَسباب الفِتَن ، لكونه من الأشهر الحُرُم.
كما ذكره البخاري عن أبي رجاء العطاردي : «إذا دَخل شهر رجب قلنا : مُنْصِل الأَسِنّـَة ، فلم نَدع رُمحًا فيه حَديدة ، ولا سهمًا فيه حَديدة إلا نزعناه فألقيناه».
كما عقد ابن حجر في هذه الرسالة فصلًا ذكر فيه أحاديث تتضمّن النَّهيَ عن صوم رجب كلِّه ، ثم قال : هذا النّهي مُنصرِف إلى من يصومُه مُعَظِّمًا لأمر الجاهليّة ، أما إنْ صامه لقصد الصوم في الجملة من غير أن يجعله حتْمًا أو يخُصُّ منه أيّامًا معيّنة يواظِب على صومِها ، أو لياليَ معيَّنةً يواظِب على قيامِها ، بحيث يَظُنُّ أنها سُنَّة ، فهذا من فعله مع السّلامة ممّا استثنى فلا بأسَ به.
ونقل ابن حجر عن أبي بكر الطرطوشي في كتاب «البِدع والحوادث» : أن صوم رجب يُكْره على ثلاثة أوجه : أحدُها : أنّه إذا خصّه المسلمون بالصّوم في كل عامٍ حسب العوام ، إمّا أنه فَرْض كشهر رمضان ، وإما سُنّة ثابتة كالسنن الثابتة ، وإما لأن الصّوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام باقي الشُّهور ، ولو كان من هذا شيء لبيَّنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم.
قال ابن دحية : الصِّيام عَمَلُ بِرٍّ ، لا لفضل صوم شهر رجب فقد كان عمرُ ينهَى عنه.
وخلاصة القول في فضائل رجب :
هي أنها تدخل في عموم فضائل الأشهر الحُرُم ، فليس له خصوصية ولا فضيلة على غيره من الشهور إلا أنه من الأشهر الحرم.
فيشرع الصيام فيه بوجه عام باعتباره من الأشهر الحرم فمن صامه كله أو بعض منه فله بصيامه أجر صيام الأشهر الحرم ، ومن صام فيه يوماً وأفطر يوماً فله أجران أجر صيام داود عليه السلام وأجر صيام الأشهر الحرم ، ومن صام فيه الاثنين والخميس كان له كذلك أجران أجر الاثنين والخميس باعتبار صيامهما سنة متبعة وأجر صيام الأشهر الحرم ، ومن صام في رجب الأيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فله كذلك أجران أجر صيام الأيام البيض وأجر صيام الأشهر الحرم.
كذلك من أخرج في رجب صدقة أو زكاة ماله أو اعتمر أو فعل أي خير بنية تضاعف الأجر والثواب في الأشهر الحرم دون تخصيص رجب بالعبادة فهو مأجور بنيته إن شاء الله.
وليس من السنة تخصيص رجب بعبادة معينة من صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا عمرة.
وليس من السنة كذلك تخصيص رجب بصلاة في أول ليلة فيه أو في أول جمعة منه أو في ليلة السابع والعشرين منه فيما يعرف بصلاة الرغائب.
ليس من السنة الذبح في أول رجب فيما يعرف بالرجبية أو «العتيرة» فهي من ذبائح الجاهلية التي نهى عنها الإسلام , فقد كان أهل الجاهلية يذبحونها فأبطل الإسلام ذلك، كما في الحديث الذي رواه أحمد بإسناد صحيح : «لا عتيرة في الإسلام».
والعتيرة الرجبية هي : ذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب يتقربون بها لأصنامهم.
ليس من السنة كذلك ما يعرف ب«طلعة رجب» ونعني بها حِرْص البعض والنِّساء منهم على الوجه الأخصِ على زيارة القبور في أول جمعة من شهر رجب فهذا الفعل ليس له أصل في الدين، فزيارة القبور لا تختص بزمن معين بل هي مطلقة في جميع أيام العام.
هذا والله أعلم.