العادات الغذائية للمصريين فى شهر رمضان
د. سهام عبد الباقى محمد
ينتظر المسلمون حول العالم قدوم شهر رمضان من العام للعام ،ويستعدون له كل عام من خلال ما يقومون بحفظه فى مبرداتهم من أنواع الخضروات والفواكهه التى تخزن فى أوانها لإستخدامها خلال شهر رمضان، لذا يمكننا القول أن الإستعداد لرمضان يكون طول العام على المستوى الغذائى،وغالباً ما تستقبل المرأة فى الأسرة المصرية رمضان وتستفتحة بوجبات،ومشروبات تقليدية يتم إعدادها خصيصاً لرمضان لأضفاء السعادة على اسرتها والشعور بالأجواء الرمضانية التى تختلف عن غيرها من أيام وشهور السنة،ويٌسلط هذا المقال الضوء على أنواع الأطعمة،والمشروبات،والحلوى الرمضانية، نستعرضها فيما يلى
وجبتى الأفطار والسحور فى رمضان
وتعد وجبة الإفطار هى الوجبة الرئيسية بالنسبة للمصريين بعد يوم طويل من الجوع والعطش لذا تحرص الأسرة المصرية على الإهتمام بتلك الوجبة وتتنوع تلك الوجبات من منطقة لأخرى، ومحافظة لأخرى بحيث تقوم المرأة المصرية بإعداد الأطباق التقليدية والتى تشتهر بها منطقتها الجغرافية، لذا تتنوع الخريطة الغذائية من منطقة جغرافية لأخرى، ففى منطقة شمال الدلتا والقاهرة وما حولها تحرص ربات البيوت على إعداد أطباق المحاشى مع البط ويٌعد هذا الطبق هو الطبق الرئيسى الذى لا بد أن تستفتح بها تلك المناطق أول أيام رمضان، وتتنوع تلك المحاشى ما بين الباذنجان،والكرنب، والكوسة، والفلف، وورق العنب ،والمنبار. وفى صعيد مصر يٌعد الفطير مع اللحم من أهم الأطباق وتقوم غالبية النساء بخبز الرقاق الطرى لإعداد هذا الطبق والذى يسمونه “فطير” ويتم إعداد هذا الطبق فى إناء كبير من الفخار يسمى “صحفة” تشبة الطاجن ولكنها أكبر حجماً وأكثر إتساعاً ويتم تقطيع الرقاق الطرى إلى قطع صغيرة،مع غمره بشوربة اللحم مع البصل،وإضافة السمن البلدى،بينما تميل المحافظات الساحلية إلى إعداد أطباق السمك والجمبرى والكابوريا وغيرها من المأكولات البحرية مع الارز كمحافظات السويس،والإسماعيلية،والأسكندرية، ويسود فى محافظات البحيرة،والمنوفية أطباق الأرز المعمر والكسكسى، والرقاق،وطواجن الخضار مع اللية، والارز الأبيض، والحمام المحشى، وفته اللحم والكوارع، والكمونية” وهى كرشة العجل” ولحمة الرأس، وكفتة الأرز، ويصاحب تلك الأطباق الطرشى البلدى الذى تحرص معظم الأسر على تناوله،وتخليلة خصيصاً لرمضان،أو شرائة من محلات الطرشى وأهم تلك المخللات الجزر،القرنبيط،الليمون،الزيتون،البصل،اللفت، الفلفل الحار. أما وجبة السحور فيغلب عليها طبق الفول والذى يعد الطبق الرئيسى فى وجبة السحور، وغالباً ما تقوم معظم الأسر بتدميسه منزلياً فى دماسات الفول والتى يزداد الطلب عليها فى رمضان، وفى صعيد مصر يتم تدميس الفول فى اناء فخارى ضيق يشبة القدرة يسمى “نٌطال” كان قديما يتم وضعه فى رماد الأفران عقب عملية خبز العيش أو على الكانون الذى كانت المرأة فى الريف والصعيد تقوم ببنائه وتستخدم فى إشعاله الحطب،ويمتاز فول النطال بمذاق مميز لا مثيل له، كما تتزين فى رمضان عربات بيع الفول الخشبية بأقمشة الخيامية التى تضفى عليها مظهراً إحتفالياً جميلاً والتى تبدأ بتدميس الفول من بعد صلاة الفجر وحتى الثانية ظهراً ثم تجوب الشوارع والميادين وقت العصارى لتبيع الفول الذى يفضل الكثير من المصريين تناوله على الإفطار، فطبق الفول هو الطبق الشعبى الأول للافطار فى غير رمضان حيث يلتف جموع المصريين فى الصباح حول تلك العربات فيأكلون وهم وقوف أو جالسين، لذا يفضل الكثيرين تناولة أيضاً فى إفطار رمضان، اما فى السحور فلا بديل له
بالإضافة إلى أنواع الجبن المصنعة آلياً خفيفة الملح والجبن القريش،والزبادى أو الرايب حيث لا يمكن الاستغناء عنهم فى وجبة السحور لانهم يقوم بترطيب الجسم وقديماً كانت تصنع الزبادى فى اوانى فخارية تكسبها مذاقاً خاصاً أما السائد الأن فهى العلب البلاستيكية ومنها زبادى المصانع ، والزبادى البلدى والتى تمتاز بمذاق غنى وتباع لدى محلات بيع الألبان .كما تتضمن مائدة السحور البيض المسلوق أو المقلى، ويسود لدى الكثير من ابناء القرى المصرية فى صعيد وريف مصر تناول الخضار مع اللحم على وجبة السحور وتناول وجبة خفيفة فى الافطار لاعتقادهم بان البروتين مع الخضار يمدهم بالطاقة اللازمة اثناء الصوم.
المشروبات الرمضانية
أهم المشروبات الرمضانية هو الخشاف الذى يتكون من البلح مع الفواكهه المجففة كالأراسيا والتين والمشمش وبعض المكسرات كعين الجمل واللوز،وجوز الهند ويفضل كثير من المصريين تناوله منقوعاً فى اللبن أو الماء وهو من المشروبات الهامة الذى يحرص المصريين على استفتاح إفطارهم به أو كما نعبر عن ذلك شعبياً ” نجرح صيامنا بالبلح”، ومن المشروبات الرمضانية الأخرى الهامة” قمر الدين” والذى انتشر فى بلاد الشام وخاصة سوريا وذاعت شهرته فى بلدة “قمر الدين” السورية ويقوم كثير من ربات البيوت بإعداده منزلياً بوضعه فى إناء مع السكر حتى يجف مائة ويحفظ فى أكياس، ويتم ضريه بعد تخفيفة بالماء فى الخافق الكهربائى، وهو غنى بعنصر الكالسيوم الذى يحافظ على العظام، ومن المشروبات الرمضانية الهامة التى عرفها المصريون القدماء مشروب” التمر هندى” والذى استخدموه فى تحنيط موتاهم وتم العثور علية فى مقابرهم ، وعٌرف بقدرته على إذابة حصوات الكلى، والإحتفاظ بالماء فى الجسم، وأشهر المشروبات الشعبية المصرية فى رمضان وغيرها هو”العرق سوس”وله شعار خاص يردده الباعة التقليديين عبر مرورهم بالشوارع وهو” شفا وخمير يا عرق سوس” لفوائده العلاجية لأنه يتم تخميره أثناء عملية تحضيره بالماء،كما أنه يمنع تكون الحصوات ويساعد على علاج الكلى والسعال الجاف والربو والعطش الشديد وهو يٌستخرج من نبات السوس وهو نبات معمر يحتوي على عناصر البوتاسيوم، والكالسيوم،والماغنسيوم لذا فهو بمثابة مضاد حيوي طبيعي للجسم.وقديماً كان يحرص بائع العرقسوس على إرتداء ملابس تقليدية جميلة تسٌر الناظرين،وهى سروال ناعم من قماش الساتان الأسود وصيدرى مزركسش باللون الأبيض ويضع على رأسة عمامة، ويتحزم بحزام حول خصره،ويحمل إبريق كبير يلف حوله أكوابه الزجاجية، ويحمل بيدية صاجات نحاسية يطرق بها لجذب انتباه المارة وإحداث نوع من البهجة .أو يضع مشروباته فى أوانى زجاجية مزودة بصنبور بداخلها قطع من الثلج ،ومعها أدواته على عربة خشبية “كارو” ويبيع لزبائنه ما طاب لهم من مشروبات شعبية، أما الأن فقلما نجد بائع العرق سوس حريصاً على هذا الشكل التراثى الجميل.ومن المشروبات الرمضانية الشهيرة هى السوبيا والتى عٌرفت فى عهد الفاطميين وكانت تٌصنع من الأرز المطحون والسكر بعد ذلك تم تنكيهها بجوز الهند الذى أكسبها مذاقاً غنياً ورائحة جذابة.
الحلوى الرمضانية
أشهرها على الإطلاق الكٌنافة والتى قيل عنها أنها ظهرت فى عهد مٌعاوية بن أبى سفيان أو فى أوائل الدولة العباسية عام 40ه حينما اشتكى معاوية لطبيبه شدة شعوره بالجوع أثناء صومه فنصحه طبيبه بتناول الكنافة لتمنحه الشعور بالشبع.غير أن الأرجع تاريخياً أنها ظهرت فى عهد الدولة الفاطمية حين خرج المصريين لأستقبال الفاطميين بقيادة المٌعز لدين الله الفاطمى فاستقبلوه بحلوى صنعت خصيصاً للترحيب والإحتفاء بهم وكانت هى الكنافة، وهى نوعان الكنافة الآلى وهى منتشرة طول العام،أما البلدى فهى تٌصنّع يدوياً بطريقة تقليدية فى رمضان فيتم بناء فرن دائرى لها طويل ذو شكل إسطوانى من الجبس يعلوه صاج دائرى ويوجد بأسفلة إسطوانة غاز، ثم يتم وضع عجين ليّن من القمح فى كوب من الصاج مثقوباً من الأسفل بحيث يتم لف الكوب لفات دائرية فيسقط العجين من الثقوب مشكلاً دوائر من الشعر وتمتاز الكنافة البلدى بأنها كنافة سميكة الخيوط. ويشتهر بمصر الكنافة المحشية بالسودانى والزبيب وجوز الهند وهى الحشوة الاقتصادية المتاحة للغالبية العظمى من المصريين،أو يتم حشوها بالمهلبية، وتٌحلى بالشربات، وثانى أشهر الحلوى الرمضانية هى القطايف والتى تعنى الجيد من الطعام أو المٌنتقى من الطعام عٌرفت فى عهد الدولة الأٌموية حين صنعها أحد صانعى الحلوى فقطفها الناس لمذاقها اللذيذ فأٌطلق عليها من فورها قطايف،وهى تٌصنع من العجين اللين يٌصب بشكل دائرى على الصاج حتى يجف وتختلف أحجامها فمنها كبيرة الحجم ،وصغيرة الحجم أما الصغيرة فتسمى” قطايف عصافيرى” ويتم إعدادها بحشوها بنفس حشوة الكنافة وتٌسقى بالشربات السميك البارد ولا تٌصنّع القطايف إلا فى رمضان بعكس الكنافة المتوفرة طيلة العام لذا تقوم معظم ربات البيوت بشراء كمية كبيرة منها وحشوها وحفظها فى المبردات وتسحب منها وقت الحاجه. ومن الحلوى الرمضانية الأخرى “مهلبية قمر الدين” والتى تًصنع باذابة النشا فى عصير قمر الدين حتى الغليان وتصب فى أوانى وتزين بالزبيب، وأيضاً الأرز المعمر الحلو.
وفى الختام وجب التأكيد على أن العادات الغذائية الرمضانية تشكل جزء هام فى تراثنا الثقافى المرتبط باحتفالنا بالشهر الكريم ولا تقتصر الموائد الرمضانية على أفراد الأسرة إنما تمتد لتشمل الأهل والأصدقاء المقربين،ولا يمكننا تناسى الطبق الدوار الذى يتهاداه الجيران فيما بينهم فى أيام الشهر الفضيل فى مظهر يعكس دفىء العلاقات الاجتماعية وأصالة التقاليد المصرية.