سلوى النجار تكتب.. ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر
إنَّ تغيير الواقع لايمكن أن يكونَ إلا بتغيير الانسان لنفسه واصلاحها والعمل على السمو بها والرقي إلى هدف الله له في هذه الحياة ، ولابد أن تكون له قوة دافعة ورغبة جامحة من خلالها يبدأ بنفسه ،ثم غيره من الناس،وهذا لايكون آلا بالمعاني السامية ،والغايات النبيلة التي من خلالها تبتهج الحياة وتستقيم له ولغيره كما رسم له الطريق رب العالمين.
ومازالت كلمات الشاعر أبو القاسم الشابي حية مادامت الحياة ومادام البشر على هذا الكوكب الأرضي ،ومهما ازداد الظلام والظلمات فلابد أن ينقشعُ هذا الظلام ولابد أن يُهزم الظلم ويقضى على الظالمين ولابد أن تشرق شمس الحياة؛ هذه الحياة التي خلقها الله للبشر على هذا الكون العظيم ،ولكن بنواميس الكون، وبقواعد النظام الإلهي الذي جعله بين الناس ، لذا أرسل الله الرسل مندرين ومبشرين ،حتى لايكون هناك عذر لأحد عند الله لقوله تعالى: رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165)النساء
شاء من شاء وأبى من أبى، أن يقيم شرع الله في هذا الكون العظيم ، إلى أن يُرفع الظلم عن المظلومين وتُقام عدالة الله على هذا الكوكب ،الطافح من الظلم والظلمات على البشر من ذوي البشر مثلهم.
دقق في هذه الكلمات الرائعة الجميلة التي أطلقها أبو القاسم الشابي:
ولابــدَّ لـلّيلِ أن يـنجلي
ولا بـدَّ لـلقيدِ أن يـنكسرْ
ومَـن لـم يعانقهُ شوقُ الحياة
تـبخّرَ فـي جـوِّها وانـدثر
فمهما كانت الليل أسودًا ومهما ازدادت الظلمات فلابد أن ينجلي هذا السواد إلى نورالحياة ،نور الشمس المشرقة التي تبدد ظلمات الليل الكحيل ،وهذا لايحدث إلا من ذوي الهمم العاليه الذين يحبون الحياة كما أرادها الله لهم الدين يشتاقون الى الحياة الحية النابضة بالجمال ،هذا الجمال الذي لايتحقق إلا بالعيش على نواميس خالق هذا الكون الجميل ولأن هذه الحياة الجميلة نموذج مؤقت للحياة الأبدية ،فلا تستقيم مع البغي ،ولا العدوان ،ولا الظلم ،ولا الاستبداد ،ولكن العدل والإحسان والسلم والسلام ،بالمودة والرحمة ،بالبذل والعطاء ،فكيف لحياة أن تستقيم وهناك من يُتخمون ، وهناك من يتضَّورون جوعًا ،كيف تستقيم هذه الحياة ؟وهناك من يعيش في الرفاهية ومن يعيش تحت الأنقاض ،
إن حب الحياة الحية النابضة بالجمال والإشراق والنور والسرور،هو الدافع القوي الذي يحقق التوازن لهذا الكون ،فعندما يشتاق الإنسان إلى الحياة الكريمة فلابد أن يسعى لتحقيقها والسعى دأباً في سبيل ،تحقيق هذا الجمال والإشراق وإزالة القبح الذي يشوه وجه هذا الكون الجميل ،بما كسبت يداه بالظلم والظلمات ،بالتعدي على حدود الله وحدود الآخرين ،مما يحدث خلل لايجبره إلا مقاومة القبائح والرزائل ، والتعدي على نواميس هذا الكون وعلى البشر الذين خُلقوا ليزيدوا هذا الكون جمالًا ،بالإحسان بالعطاء بالعدالة بالحب والمودة والرحمة بجبر النفوس وجبر الخواطر،باحياء النفوس الظالمة ومنعها من ظلم الآخرين.
ولمَّا قال الشاعر يتذكر طفولته الجميلة :
قد كنتُ في زمن الطفولةِ, و السذاجة و الطهور
أحيا كما تحيا البلابلُ, والجداولُ, والزُّهورْ
لا نحفل, الدنيا تدور بأهلها, أو لا تدورْ
واليومَ أحيا مُرْهَقَ الأعْصاب , مشبوب الشعور
مُتأجِّجَ الإحساسِ, أحفلُ بالعظيم, وبالحقيرْ
تمشـي على قلبي الحياةُ, ويزحف الكون الكبير.
فكيف يعيد هذا الشاعر الكبير هذه الطفولة الجميلة ، إنْ لم يكن الإنسان يحب المعالى ويسعى للكرامة وقمم الأخلاق ،فلا كان ولايكون.وانظر قول الشاعر:
مِـنَ النَّـاسِ نـاسٌ مـا تَنامُ خُدُودهُم .
هم في اعمالهم وأهدافهم دائبون مجتهدون وإن الله سبحانه وتعالى جعل العمل الصالح شرطًا يجزيه به الحياة الأبدية بما فيها من جمال
لقوله تعالى :(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) النحل
وهنا لابد من العمل الصالح والعزم القوي على الإصلاح ،وبذل الجهد لإقامة العدل ، ودفع الظلم ,والترقي بالإخلاق الحميدة ، والحفاظ على سلامة الأوطان ، ونشر الأخلاق الحميدة والعمل على إقامة شريعتنا الإسلامية وسنة نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، بدراسة سيرته العطرة والتأسي به وبداية الطريق خطوة فامض ولاتعجز.
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ .