فتوى في الإجماع
بقلم : ا.د / عطية لاشين أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف
يقول في رسالته : هل يجوز لإجماع جديد أن يخالف ما نعقد عليه إجماع قديم والمسألة محل الاجتهاد واحدة؟
الحمد لله رب العالمين قال في القرآن الكريم :(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا )٠
والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم روت عنه كتب السنة ” لا تجتمع أمتي على ضلالة”٠
وبعد :
فإن الإجماع مصدر من مصادر التشريع الأربعة المتفق عليها بين أهل العلم في الاستدلال بها على الأحكام الشرعية٠
ويعرف الإجماع بأنه : “اتفاق جميع المجتهدين من الأمة الإسلامية في عصر من العصور على حكم شرعي اجتهادي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم”٠
وقولهم في التعريف (جميع ) : يخرج من الإجماع ما إذا كان لبعض المجتهدين رأي في مسألة معينة وللبعض الآخر رأي آخر في ذات المسألة٠
وقولهم : (المجتهدين ) ليخرج من تعريف الإجماع اتفاق من لم يبلغوا رتبة الاجتهاد فلا يكون اتفاقهم إجماعاً شرعا٠
وقولهم : (على حكم شرعي) يخرج الأحكام الاعتقادية التي يتوقف العلم بها على الدليل السمعي فليست محلا للاجتهاد ٠
وأخيراً : وصفهم الحكم الشرعي محل الاجتهاد (اجتهادي ) يخرج الحكم الشرعي الثابت بدليل قطعي الثبوت والدلالة حيث والحال هذه لا يكون محلا للاجتهاد٠
وغني عن البيان أن نقول : هل يفتقر الحكم الذي أجمع المجتهدون عليه إلى دليل من الأدلة الشرعية أو إن
إجماعهم في حد ذاته هو الدليل؟٠
اختلف بشأن ذلك علماء أصول الفقه ، والراجح عند جمهورهم يشترط لكي يكون إجماعهم حجة٠
وأما عن السؤال الذي كانت من أجله الفتوى فنقول :
هناك فرق بين الاجتهاد الفردي الذي توصل من خلاله صاحبه إلى حكم شرعي وبين الاجتهاد الجماعي ، فالأول أعني الاجتهاد الفردي يجوز لصاحبه إذا أعاد النظر فيما اجتهد فيه أولاً واجتهد فيه مرة أخرى أن يتوصل إلى غير ما توصل إليه عند المرة الأولى ويعمل بالحكم الذي توصل إليه بعد النظر ثانياً ولا أدل على ذلك من المسألة المشتركة حيث كان لسيدنا عمر رضي الله عنه حكم فيها أول مرة ولم يعط الإخوة الأشقاء شيئاً وبعد النظر فيها مرة ثانية أشرك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم في نصيبهم مع بقاء الحكم الأول كما هو٠
أما الإجماع الصادر من المجتهدين جميعهم على حكم شرعي فلا يجوز لمن يأتي بعدهم أن يجمعوا على خلافه ما دامت المسألة واحدة والظروف واحدة لما تتغير بعد٠
وإذا كان أهل العلم قائلين : بأنه إذا كان للمجتهدين رأيان في المسألة الواحدة قال بعضهم فيها برأي، وقال الآخرون برأي آخر فلا يجوز لمن يأتي بعدهم أن يستحدث رأيا تاركاً العمل بواحد من الرأيين المتقدمين ، فمن باب أولى لا يجوز مخالفتهم إذا كانوا عن بكرة أبيهم متفقين ومجمعين على رأي واحد في المسألة٠
والله أعلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وكتبه اد عطية لاشين