فتوى في الصلاة عن مواقيت الصلاة

 

 

بقلم: ا.د / عطية لاشين أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف

 

يقول في رسالته:

post

سمعت فيديو لأحد أهل العلم يقول فيه: إن من صلى الصبح بعد طلوع الشمس لا إثم عليه ، فهل هذا صحيح ؟؟!

 

الحمد لله رب العالمين، قال في الذكر الحكيم: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا). والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، روت عنه كتب السنة “من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح”.

 

وبعد :

فإن لكل صلاة وقتا حدده الشرع الحكيم لا يجوز لأي مسلم أن يصلي قبله، وعليه الإثم والحرمة إن صلاه بعد خروج وقته. قال تعالى: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا). وقال عز شأنه: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون). ومن التفاسير الواردة في معنى هذه الآية: أي الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها؛ فوعدهم الله بالويل، وهو واد في جهنم خبيث طعمه بعيد قعره.

 

وبخصوص واقعة السؤال نقول:

إن الذي تعلق به صاحب هذا الفيديو من الحوار الذي جرى بين صفوان بن المعطل وزوجته كطرف أول، وسيدنا محمد رسول الله كطرف ثاني، وقول صفوان لسيدنا محمد رسول الله صلى الله غليه وسلم: فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذلك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس. فقال له صلى الله عليه وسلم: “فإذا استيقظت فصل”. وتعلق من تمسك بهذه الرواية والانطلاق منها إلى جواز صلاة الصبح بعد طلوع الشمس تعلق أوهى من بيت العنكبوت.

 

والرد على هذا القول المتهافت ما يلي:

 

أولا : إن التمسك بهذه الرواية، وإصدار فتوى بسببها تبيح المسلمين أجمعين جواز صلاتهم الصبح بعد طلوع الشمس تعطل الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية التي أمرت المسلم بأداء كل صلاة في وقتها، ومنها صلاة الصبح.

 

هذه الفتوى تعطل هذه النصوص فيها، وتجعل ما جاء فيها عبثا، والشرع منزه عن العبث، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

 

ثانيا: إن التعلق بما جاء في هذه الرواية تساوي تعلق بأحبال دائبة لأنها تخالف ما استقر في وجدان أمة الإسلام من لدن خير الأنام سيدنا محمد صلى الله غليه وسلم إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة. تشذ عن هذا الإجماع وتتعارض معه، حيث إن المسلمين أجمعين خاصتهم وعامتهم على أن لكل صلاة وقتا محددا، له بدايته كما له نهايته الذي حددهما الشرع الحكيم.

 

ثالثا : هذه الفتوى الرعناء تتناقض مع حديث صلاة الأمنين جبريل بسيدنا محمد وإمامته له في وقت كل صلاة على مدار يومين متتاليين. اليوم الأول صلى به كل صلاة في أول وقتها، وفي اليوم الثاني صلى به كل صلاة في آخر وقتها. ثم قال أمين السماء لأمين الأرض والسماء عليهما السلام: “الوقت ما بين هذين”. ومن هذه الصلوات التي روعي وقتها أولا وآخرا نساوي صلاة الصبح؛ حيث أمه بها في أول وقتها في اليوم الأول، وهو طلوع الفجر الصادق، وأمه بها في اليوم الثاني قبيل طلوع الشمس.

 

فهذه الفتوى الرعناء أصدق أم ما جاء في عمل الأمينين أصدق. وأعنى بالأمينين الأمين جبريل والأمين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

رابعا : لقد أنكر ما جاء في حديث صفوان بعض المتقدمين ممن تخصصوا في رواية الحديث عنه صلى الله عليه وسلم؛ فقد قال الإمام الحافظ ابن حجر فى كتابه فتح الباري: قال البزار : وهذا الحديث كلامه منكر، ولعل الأعمش أخذه من غير ثقة فدلسه فصار في ظاهر سنده الصحة، وليس للحديث عندي أصل. والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.

 

خامسا : وعلى فرض صحة الحديث؛ فإن له سياقا وسببا. تعمد صاحب الفديو عدم ذكر سبب الحديث وسياقه؛ تحريفا منه للكلم عن مواضعه يساوي ليصل إلى ما يريد وهو الخروج عن الثوابت في شرع الله من باب خالف تعرف ليس إلا. ولا أدري لصالح من يتم ترزنة هذه الفتاوى؟؟!!

 

فسبب الحديث أن أهل بيت صفوان كانوا أصحاب صنعة منعوا من النوم ليلا بسببها حيث كانوا يسقون الماء لمن يطلبها طوال الليل، وكان هذا مصدر رزقهم؛ فكانوا ينامون من التعب كالموتى. فقال النبي صلى الله عليهم: “إذا استيقظت فصل”؛ أي هذا لك خاصة، وليس للمسلمين عامة. وهذا من لطف الله بعباده، ورفق النبي صلى الله عليه وسلم بأمته؛ حيث قبل منه العذر مع تقصيره، ولم يعنفه على ترك الصلاة في وقتها لاحتمال ان يكون هذا التأخير في وقت دون وقت، وليس هذا ديدنه، حيث لم يكن بجواره أحد يوقظه للصلاة؛ فقد كان يسقي الماء طوال الليل فينام في مكانه كالمغمى عليه من شدة التعب فيأخذه النوم حتى تطلع الشمس فكان بسبب ذلك من المعذورين.

فهل كل الناس كصفوان الصحابي الجليل؟! يحيون ليلهم كله إلا قليلا بالعمل والكد والتعب، والسعي على الأرزاق حتى نفتيهم بما أفتى به النبي صلى الله عليه وسلم صفوان ؟؟!! إن هذا لشئ عجاب.

 

سادسا: قال الله تعالى مخاطبا أمة الإسلام: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، ومن التعاون على البر والتقوى أن الفقيه يحث الناس على الصلاة في وقتها، فهذا أمر مأمورون به. ومن التعاون على العدوان أن تصدر فتوى تبيح للمسلمين الصلاة في غير وقتها فيزدادوا بسببها كسلا على كسل، وتقصيرا على تقصير، وتفريطا على تفريط، وتضييعا للصلاة فوق تضييعهم، وهذا منهي عنه بالنص القطعي الكريم.

 

والله أعلم

وصلى الله على سيدنا محمد

وكتبه اد عطية لاشين

زر الذهاب إلى الأعلى