ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ تبدء بورقة
محمـــد الدكــــروري
إنه لما علمت أم الصحابي الجليل مصعب بن عمير بإسلامه منعته الطعام والشراب، وأخرجته من بيته، وكان من أنعم الناس عيشا، فتخشف جلده تخشف الحية، وكان صهيب بن سنان الرومي يُعذب حتى يفقد وعيه ولا يدرى ما يقول وكان بلال بن رباح مولى لأمية بن خلف الجمحي، فكان أمية يضع في عنقه حبلا، ثم يسلمه إلى الصبيان، يطوفون به في جبال مكة، ويجرونه حتى كان الحبل يؤثر في عنقه، وهو يقول أحد أحد، وكان أمية يشده شدا ثم يضربه بالعصا، ويلجئه إلى الجلوس في حر الشمس، كما كان يكرهه على الجوع وأشد من ذلك كله أنه كان يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في الرمضاء في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول لا والله لا تزال هكذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى.
فيقول وهو في ذلك أحد،أحد، ويقول لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها، ومر به أبو بكر الصديق رضي ألله عنهما يوما وهم يصنعون ذلك به فاشتراه بغلام أسود، وقيل بسبع أواق أو بخمس من الفضة، وأعتقه، فإعلموا أن ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ تبدء بورقة، فعندما ﺗﻮﻟﺪ ﻻ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺧﺮﺟﻚ ﻣﻦ ﺑﻄﻦ ﺃﻣﻚ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﻮﺕ ﻻ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺩﺧﻠﻚ ﺇﻟﻰ ﻗﺒﺮﻙ، فحقا ﻋﺠﺒﺎ ﻟﻚ ﻳﺎﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ، ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﻟﺪﺕ ﺗﻐﺴﻞ ﻭﺗﻨﻈﻒ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﻮﺕ ﺗﻐﺴﻞ ﻭﺗﻨﻈﻒ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻮﻟﺪ ﻻﺗﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﻓﺮﺡ ﻭﺍﺳﺘﺒﺸﺮ ﺑﻚ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﻮﺕ ﻻﺗﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺑﻜﻰ ﻋﻠﻴﻚ ﻭﺣﺰﻥ، ثم ﻋﺠﺒﺎ ﻟﻚ ﻳﺎﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ، وأنت ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺃﻣﻚ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺿﻴﻖ ﻭﻣﻈﻠﻢ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﻮﺕ ﺗﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺿﻴﻖ ﻭﻣﻈﻠﻢ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﻟﺪﺕ ﺗﻐﻄﻰ ﺑﺎﻟﻘﻤﺎﺵ ﻟﻴﺴﺘﺮﻭﻙ، ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﻮﺕ ﺗﻜﻔﻦ ﺑﺎﻟﻘﻤﺎﺵ ﻟﻴﺴﺘﺮﻭﻙ، وﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﻟﺪﺕ ﻭﻛﺒﺮﺕ ﻳﺴﺄﻟﻚ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﺷﻬﺎﺩﺗﻚ ﻭﺧﺒﺮﺍﺗﻚ.
ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﻤﻮﺕ ﺗﺴﺄﻟﻚ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻋﻦ ﻋﻤﻠﻚ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ؟ ﻓﻤﺎﺫﺍ ﺃﻋﺪﺩﺕ ﻵﺧﺮﺗﻚ ؟ غعليك أن تعود يا ابن آدم إلي الله عز وجل وأن تعلم أن الحياة الدنيا هي متاع الغرور، إن الحياة الطيبة هي الحياة التي فيها ثلج الصدور بلذة اليقين، وحلاوة الإيمان والرغبة في الموعود والرضا بالقضاء، والاستكانة إلى معبود واحد، وهذا في الدنيا، وأما في الآخرة فله الجزاء الحسن والثواب الأوفى، وإن الحياة الطيبة إنما تكون في الاستجابة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيقول تعالى “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون” فالحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله، فمن لم تحصل له هذه الاستجابة فلا حياة له، وليس له سوى حياة بهيمية مشتركة بينه وبين أذل الحيوانات.
فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهرا وباطنا فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه من سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ” رواه البخاري ومسلم ويقول النبى صلى الله عليه وسلم “ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا ” رواه مسلم، فسعادة العباد في كمال عبوديتهم لله، وكلما أكمل العبد مراتب العبودية لله كلما كانت سعادته أكمل في دنياه وآخرته، وقد وصف الله عز وجل أكابر خلقه من الأنبياء والرسل والملائكة بالعبودية وشرّفهم بوصفها قال ابن تيمية “من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية”