سلوى النجار /تكتب :التحديث بنعم الله عز وجل وقضاء الحوائج بالكتمان.
إن إظهار النعم التي أنعم الله بها على الانسان من باب شكر الواهب المنعم ،وفيه إظهار السرور بفضل الله وفيه شكر المُنْعِم ، والشكر جزاؤه الزيادة والنماء والبركة ،لقوله تعالى : {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ}٧ابراهيم فالواجب شكر النعمة لله عز وجل وشكر من كان سببًا في النعمة من البشر .لقوله صلى الله عليه وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ لمْ يشْكُر النَّاسَ لَمْ يشْكُر الله» (رواه الترمذي في كتاب البر والصلة.
أما كتمان الأعمال التي نُقْدِمُ عليها من النعم فشيء آخر وفيه الإستعانة على قضاء الحاجة بالكتمان حتى تتم بفضل الله . وهذا الأمر يكون قبل اتمام العمل الذي يدخل الخير والنعمة عليك ،كالاقبال على عمل مشروع ،أو الشروع في خْطْبة أو زواج ، أو غيره من الأمور التي يعد لها أولًا وتُدرس طرق إنجاحها .فهذه من الأمور المستحبة اخفاؤها ،حتى لايتعرض المسلم لحاسد أو حاقد ،أو فاشل ،يفسد عليه مايقدم عليه.وهنا كيف يكون التوفيق بين آية: (وأما بنعمة ربك فحدث)، وحديث: “استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان”.
لا تعارض بين قوله تعالى (وأما بنعمة ربك فحدث) وحديث: “استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود”، على فرض صحته، وقد وفق العلماء بينهما: فالكتمان يكون قبل حصول الحاجة، فإذا حصلت، وأنعم الله عليه ببلوغه ما يريد، فإنه يتحدث بالنعمة ويشكر الله عليها، ما لم يخش من حاسد.
قال المناوي رحمه الله: ” (استعينوا على إنجاح الحوائج) لفظ رواية الطبراني: (استعينوا على قضاء حوائجكم) (بالكتمان) أي: كونوا لها كاتمين عن الناس، واستعينوا بالله على الظفر بها، ثم علل طلب الكتمان لها بقوله: (فإن كل ذي نعمة محسود) يعني: إن أظهرتم حوائجكم للناس حسدوكم فعارضوكم في مرامكم، وموضع الخبر الوارد في التحدث بالنعمة: ما بعد وقوعها، وأمن الحسد ” انتهى من ” فيض القدير ” (1/493).
ويدل على جواز كتمان النعم، خوفاً من الحسد، قوله تعالى: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ).
قال ابن كثير رحمه الله: ”قوله تعالى: (قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك…)، يؤخذ من هذا، الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر، كما ورد في حديث: (استعينوا على قضاء الحوائج بكتمانها، فإن كل ذي نعمة محسود) ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (4/318). أما التحديث بالنعم
فقد ذهب بعض العلماء إلى أن المقصود من التحديث بالنعمة: هو القيام بشكرها، وإظهار آثارها، فإذا أنعم الله عليه بالمال شكر الله تعالى على هذه النعمة، وأكثر من التصدق والكرم والجود، حتى يقصده الفقراء والمحتاجون كان هذا هو المقصود بالتحديث بالنعم، وليس المراد تعديد ثروته، وإخبار الناس بما عنده، فإن هذا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا هو ـ أيضا ـ من فعل ذوي الحزم والهيئات.
قال القاسمي رحمه الله: ”(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) أي: بشكرها وإظهار آثارها، فيرغب فيما لديه منها، ويحرص على أن يصدر المحاويج عنها. وهذا هو سر الأمر بالتحدث بها.
وفي الآية تنبيه على أدب عظيم، وهو التصدي للتحدث بالنعمة وإشهارها، حرصا على التفضل والجود والتخلق بالكرم، وفرارا من رذيلة الشح الذي رائده كتم النعمة والتمسكن والشكوى.
قال الإمام [يعني: الشيخ محمد عبده]: من عادة البخلاء أن يكتموا مالهم، لتقوم لهم الحجة في قبض أيديهم عن البذل، فلا تجدهم إلا شاكين من القل، أما الكرماء فلا يزالون يظهرون بالبذل ما آتاهم الله من فضله، ويجهرون بالحمد لما أفاض عليهم من رزقه. فلهذا صح أن يجعل التحديث بالنعمة كناية عن البذل وإطعام الفقراء وإعانة المحتاجين.
فهذا هو قوله: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) أي: إنك لما عرفت بنفسك ما يكون فيه الفقير، فأوسع في البذل على الفقراء. وليس القصد هو مجرد ذكر الثروة، فإن هذا من الفخفخة التي يتنزه عنها النبيّ صلى الله عليه وسلم. ولم يعرف عنه في امتثال هذا الأمر أنه كان يذكر ما عنده من نقود وعروض. ولكن الذي عرف عنه أنه كان ينفق ما عنده ويبيت طاويا.
والتحديث بالنعم لا يلزم أن يكون على سبيل التفصيل، بل قد يكون إجمالاً، بأن يقول: إن الله أنعم علىَّ بالصحة والغنى والهداية، ولا يفصل في ذكر هذه النعم.
قال السعدي رحمه الله: ”(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ): وهذا يشمل النعم الدينية والدنيوية؛ أي: أثن على الله بها، وخُصها بالذكر، إن كان هناك مصلحة، وإلا؛ فحدث بنعم الله على الإطلاق، فإن التحدث بنعمة الله داع لشكرها، وموجب لتحبيب القلوب إلى من أنعم بها؛ فإن القلوب مجبولة على محبة المحسن” انتهى من ” تفسير السعدي ” (ص 928).
وهنا ذكر النعم لايكون على سبيل المباهاة واظهار أنه أكرمزعلى الله منك لأن الله اختصه بنعم ليست عندك ، ولايدري أن جِل النعم إبتلاء من المنعِم اتشكر النعمة، بالعطاء والتخصيص لمن يستحقون أم تكفرها بكتمانها وإظهار العوز والحاجة حتى لايطمع فيك المحتاجون .
كذلك من باب شكر النعمة الحفاظ عليها ، وعدم الإسراف والتبذير فيها ،وإهانتها وآهانة النعمة تكون برميها في صناديق القمامة ، وغيرها ، وعدم بذل المجهود في الانتفاع بها لغيره من المحتاجين ،أو حتى الحيوانات، وهناك من يقوم باعادة تدوير وتصنيع بقايا الطعام ،إلى طعام للطيور والحيوانات ،كل هذا من باب شكر النعمة والحفاظ عليها، فلا يجري عليه ماجرى على الامم السابقة.
لقوله تعالى:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}النحل ،١١٢.