سعادة من يتواضع لله
محمـــد الدكـــروري
إن التأثر في زمن الصحابة الكرام رضوان الله تعالي عليهم أجمعين لم يقتصر على الحزن وذرف الدموع فقط، بل كان تأثرهم في أحيان فرحا، يتأثرون من الفرحة، والحديث الصحيح لما جاء رسول الله صلي الله عليه وسلم المدينة فرح الناس بمقدمه فرحا عظيما حتى جعلت الولائد والإماء يقلن جاء رسول الله، جاء رسول الله، جاء المربي، جاء المعلم، جاء صاحب الوحي الذي سيقول لهم مباشرة وحي الله عز وجل، ففرحوا بمجيء المعلم، وفرحوا بمجيء الواعظ، ولكن اليوم الناس في مجالسهم لو جاءهم واعظ أو معلم هل يفرحون بمقدمه، هل يفرحون بمجيئه، هل تشتعل أنفسهم سرورا وغبطة ويقولون في أنفسهم الحمد لله، جاء من يرشدنا ويعلمنا، أم أنهم أم تعلوا وجوههم قترة وغبرة، ويتوارون من المجلس من سوء ما رأى، ويريدون اللهو.
فإن مثل هذه الأمور التي تصدر من الإنسان تجعل الله عز وجل يحبه لأنه تحلى بالأوصاف التي يحبها الله سبحانه وتعالي، وقد ذكرنا طرفا منها من قبل، فهذا الإنسان حقق الإيمان، وعبّد نفسه لله تعالي ولم يكن شيء أحب إليه من الله ، ومن محاب الله، وهؤلاء هم الأشخاص الذين يجدون السعادة الحقيقية في هذا العالم، فأي سعادة يمكن أن تكون أعظم من سعادة من يتواضع لله، ويعبده، ويسعى لإرضائه، ويسعى إلى دخول الجنة، والخلاص من النار؟ فيعيش المؤمن في قلبه عذوبة لدرجة أنه إذا علم بها سادة الأرض ، فإنهم يحاربونه حتى الموت ليأخذوها منه، فقال الله تعالى “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” والسعادة في الحياة الطيبة المذكورة في هذه الآية.
التي لا يجدها حتى الكفار الأغنياء رغم مالهم، لهذا السبب لا نستغرب عندما نعلم أن كثيرين منهم قد انتحروا و هذا بسبب عدم معرفتهم بان السعادة الحقيقية تكمن في القرب من الله، والعيش على منهج القران الكريم و اتباع تعاليمه، فإنه يحتاج الناس إلى تناول الطعام كل يوم لتزويد أجسامهم بالطاقة والحفاظ على صحتهم، فإذا توقفوا عن الأكل لفترة من الوقت، فإن الأمراض تتسلل عليهم وتتفوق عليهم، وربما تقتلهم، وبالمثل، يحتاج الناس أيضا إلى طعام من نوع آخر، وهو طعام للروح والقلب، ومن المؤسف أنه بينما يحرص الناس على عدم نسيان إطعام أجسادهم، فإنهم لا يظهرون نفس الاهتمام بصحة أرواحهم وقلوبهم، حيث يحتاج القلب إلى الطعام كما يحتاجه الجسم، وإن أمراض الجسد وآثارها المنهكة ليست أخطر من أمراض القلب والروح.
وللوصول إلى السعادة الحقيقية، نحتاج إلى معرفة الهدف من حياتنا، وكيفية الوصول إلى النجاح في الآخرة، والوصول الى الحالة من الرضا من خلال اتباع أوامر الله وديننا الحنيف و جعل القران الكريم منهجا لحياتنا، فإن كل إنسان يتطلع للسعادة ويبحث عنها، لكن السعادة في الحقيقة ليست هدفا في ذاتها، بل هي نتاج عملك وإخلاصك وتواصلك مع الآخرين بصدق، فإن السعادة تكمن في أن تصنع قراراتك بذاتك وبنفسك، أن تعمل ما تريد لأنك تريده، لا لأنهم يريدون، أن تعيش حياتك مستمتعا بكل لحظة فيها، أن تبحث عن الأفضل في نفسك وفيمن حولك، وإن السعادة الحقيقية لا توجد إلا بالإيمان بالله عز وجل والتزود من الأعمال الصالحة.