حكم مشروعية الاحتفال بمولد النبي المختار صلى الله عليه وسلم
بقلم : ا.د / عطية لاشين أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف
يتساءل كثير من الناس خاصة من سموا أنفسهم بالأثريين أي الذين يتمسكون بالأثار أثناء عبادتهم لله سبحانه عن حكم الاحتفال بمولده الشريف صلى الله عليه وسلم٠
فنقول :
يشرع الاحتفال وإظهار السرور وإشاعة البهجة والحبور بمولد سيد الوجود وخير مولود للأدلة الآتية ٠
أولا : قول الله سبحانه :(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ۚ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ إِصْرِي ۖ قَالُوا أَقْرَرْنَا ۚ قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ)[سورة آل عمران ٨١]
فوفقا لما جاء في النص القرآني المبارك أخذ الله العهد والميثاق على جميع النبيين والمرسلين إن أدركوا أو أدرك بعضهم زمن بعثته صلى الله عليه وسلم ليكونن أول الناس اتباعا وإيماناً به صلى الله عليه وسلم وقد أقروا بذلك وشهدوا على ذلك وشهد الله معهم بذلك ، أليس في ذلك أحتفالا به قبل مقدمه صلى الله عليه وسلم فذلك يفضي بنا إلى مشروعية الاحتفال به بعد مقدمه وموته صلى الله عليه وسلم٠
ثانياً : قال الله تعالى : وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ) [سورة إبراهيم من الآية ٥ ].
وهل هناك يوم أعظم من يوم مولده صلى الله عليه وسلم حتى نذكر الناس به؟؟!!!٠
ثالثاً: قال الله تعالى على لسان خليل الرحمن :(رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الحكيم) [سورة البقرة الآية ١٢٩].
أليس في ذلك احتفاء به قبل مولده فاولى بنا أن نحتفل بعد مولده بيوم مولده صلى الله عليه وسلم٠
رابعاً : قال الله عز وجل على لسان كلمته وروحه التي ألقاها إلى مريم سيدنا عيسى عليه السلام :(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) [سورة الصف الآية ٦].
وكانت البشرى به قبل مولده أليس في ذلك إيذانا بالاحتفال به بعد مولده وبعثته ؟؟؟؟٠
خامساً : ألم يحتفل المولى عز وجل به قبيل مولده حينما نذر جده عبد المطلب إن رزق بعشرة من الولد ليذبحن واحدا منهم وتأتي القرعة على عبد الله والد الرسول صلى الله عليه وسلم وظل أبوه عبد المطلب يفديه حتى بلغ فداؤه بمائة ناقة فذبحها وفدى من الذبح ابنه عبد الله لأمر لا يعلمه إلا الله لكي يخرج النور الذي في صلبه لينير العالم أجمع وهو نور سيدنا محمد بن عبد الله٠
أليس في ذلك ما يفيد مشروعية الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم٠
سادساً : أليس قد أمرنا الله أن نشكره على نعمه بالتحدث بها وبالاحتفال بها واليس سيدنا محمد من اجل نعم الله على الوجود كله فهو نعمته المسداه ورحمته المهداه إلى جميع عباد الله٠
سابعاً : عمه أبو لهب حينما بشرته جاريته ثويبة بمولد ابن أخيه فرح فرحا بالغا وعبر عن فرحه هذا بإعتاق جاريته التي بشرته بالمولد ، ورغم موته على الكفر إلا ان العذاب يخفف عنه كل يوم اثنين لفرحه بمولد سيدتا محمد رسول الله فإذا فرح الكافر بمولد سيدنا محمد واحتفى به بإعتاق جاريته أفلا يشرع لنا أن نحتفل ونفرح ببوم مولده٠
وانظم البعض في ذلك شعرا قال فيه :
إذا كان هذا كافرا جاء ذمه
وتبت يداه في الجحيم مخلدا
أتى أنه في يوم الاثنين دائما
يخفف عنه للسرور بأحمدا
فما الظن بالعبد الذي طول عمره
بأحمد مسرورا ومات موحدا٠
اعتراض :
قد يعترض البعض قائلا: ليس ثمة أحد من الصحابة والتابعين قد احتفل بمولده الشريف مما يدل على بدعية ذلك٠
والجواب :
إن البدعة بدعتان : بدعة مذمومة وتسمى بدعة الضلالة وهي ما أحدث مما يخالف كتابا أو سنة أو أثرا٠
وبدعة حسنة وهي ما أحدث من الخير ولها أصل عام يشهد لها فهذه لا شئ فيها ألم يجمع سيدنا عمر في عهده الناس على إمام في صلاة التراويح وهي لم تفعل في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصديق أبي بكر رضي الله عنه ثم أردف سيدنا عمر قائلا : “نعمت البدعة هذه”٠
ونحن نقول على فرض إن الا حتفال بمولده بدعة لم تكن في عهد السابقين نقول : نعمت البدعة هذه٠
والله أعلم
وصلى لله وسلم على صاحب الذكرى