الجيش المصري هو المعجزة العسكرية الكبرى وهو الأول دائماً وأبدا
بقلم : د. عمرو حلمي – الباحث بجامعة الأزهر
لقد اقتضت الحكمة الإلهية أن تقود مصر الأمة كلها تحمل لواء الجهاد في سبيل الله ، لتكون مصر هي الطائفة المنصورة المرابطة في سبيل الله إلى يوم القيامة.
إنها مصر المحروسة حاضرة العروبة والإسلام قد اصطفاها الله من بين بلاد العرب والمسلمين ، فعقد لها لواءُ الجهاد في سبيل الله ، واختصها لتتولى قيادة الأمة العربية والإسلامية ، فكان لمصر حقَ الريادة والقيادة لتخوض أكبر المعارك العسكرية في تاريخ الإسلام.
والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي منح مصر وأهلها حق الريادة والقيادة للأمة الإسلامية من بعده ، فهو الذي عقد لمصر لواء الجهاد في سبيل الله مبشراً إياها بالنصر المبين دائماً وأبداً ، واصفاً المصريين بالعُدة والعَون والقوة ، كما نعتهم بالطائفة المنصورة المرابطة في سبيل الله إلى يوم القيامة ، كما جاءت بذلك الأحاديث النبوية الصحيحة والثابتة : لقد وصفت السنة النبوية أهل مصر بأنهم عدة وأعوان في سبيل الله ، كما أوصى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عند وفاته قائلاً : «اللَّهَ اللَّهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ، فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عُدَّةً وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
كما وصفت السنة النبوية مصر المحروسة بأهل الغرب ونعتتهم بالطائفة المنصورة المرابطة في سبيل الله إلى يوم القيامة كما في «صحيح مسلم» : «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ».
بين ابن الأثير معنى أهل الغرب في الحديث : قائلاً : قيل : «أرادَ بهم أهْل الشَّام لأنهم غَرْب الحِجاز». وقيل : «أرادَ بالغَرْب الحِدّةَ والشوَّكَة. يُريد أهْل الجِهَاد».
وقال ابن المَدِيني : «الغَرْب هاهنا الدَّلْوُ وأرَادَ بهم العَرَب لأنَّهم أصْحابها وهُمْ يَسْتَقُون بها».
فإذا ما تأملنا في هذا الكلام الذي ذكره ابن الأثير ، وابن المديني ، أيقنا تماماً أن المراد بـأهل الغرب في الحديث هم أهل مصر ، وهذا هو المعنى المراد بل والمناسب الذي يؤيده التاريخ والواقع.
فإذا كان المراد بالغرب : الحِدّةَ والشوَّكَة يُريد أهْل الجِهَاد ، كما قال ابن الأثير.
فأهل مصر هم أهل الجهاد ، لأنهم جاهدواْ الصليبيين والتتار والصهاينة والخوارج المعاصرين.
وإذا كان المراد بالغرب : الدَّلْوُ كما قال عليِّ بن المديني وعنى بهم العرب. فأهل مصر أولى بهذا الوصف من العرب ، لأن في مصر دلو عظيمة ألا وهي نهر النيل الذي يروي مصر والعرب والعجم.
والقرآن الكريم يؤكد هذا المعنى ويؤيده ، قال تعالى : {وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ [القصص(٤٤)] ، فالجانب الغربي : يعني غربي جبل الطور ، فجبل الطور يقع في الجهة الغربية للمدينة النبوية ، وهو أفضل بقاع الدنيا التي تجلى لها رب العالمين ، وبهذا تميزت مصر على سائر البقاع.
ومما يؤيد هذا المعنى ويؤكده أيضاً ، كلام ابن تيمية ، والسيوطي.
قال ابن تيمية : «أَما الطَّائفَةُ بالشامِ ومصر ونحوِهما فَهم فِي هذَا الوقت المقاتلون عن دين الْإسلامِ».
قال السيوطي : «فهذه منقبة لمصر في صدر الملة واستمرت قليلة الفتن معافاة طول الملة لم يعترها ما اعترى غيرها من الأقطار وما زالت معدن العلم والدين ثم صارت في آخر الأمر دار الخلافة ومحط الرحال ولا بلد الآن في سائر الأقطار بعد مكة والمدينة يظهر فيها من شعائر الدين ما هو ظاهر في مصر».
هذا ولقد جعل الله مصر حصن الأمة الحصين والملاذ الآمن للناس في كل وقت وحين وخصوصاً في زمن الفتن ، كما قدَّر الله لمصر أن تتولى زعامة الأمة كلها فألقى على كاهلها تحمل مسؤولية الجهاد في سبيل الله ، فعقد لها اللواء لتخوض أكبر المعارك وأكثرها ضراوة في التاريخ ، فمصر هي التي جاهدت الصليبين في حطين ، والمنصورة ، وأنطاكية.
كما جاهدت التتار في موقعتي بَيْسَان وعين جَالوت.
ثم تأتي معركة العبور لتتوج بها المعارك الكبرى في تاريخ الإسلام ، والتي تعد أول معركة عربية إسلامية تخوضها مصر الأبية في التاريخ الحديث والمعاصر لتنتصر فيها نصراً مؤزراً على الصهيونية العالمية وتلقنها درساً قاسياً لم ولن تنساه أبد الدهر.
كما أن البشارة النبوية لمصر وأهلها بالنصر باقية إلى يوم القيامة فلقد تجلت واضحة في معركة العبور العاشر من رمضان السادس من أكتوبر.
إذ رأى الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر في المنام أن النبي صلى الله عليه وسلم يعبر قناة السويس ومعه علماءُ المسلمين وقواتنا المسلحة ، وكان ذلك قبيل معركة العبور المجيدة فاستبشر خيراً وأيقن بالنصر ، وأخبر الرئيس السادات بتلك البشارة ، واقترح عليه أن يأخذ قرار الحرب مطمئنًا إياه بالنصر.
وكانت نتيجةُ الإعداد الجيد الذي قام به الجيش المصري ، مضافاً إليه طمأنة الشيخ عبد الحليم محمود لرئيس البلاد وتحفْيزه إياه على شن الحرب ضد قوات الصهاينة ، التي تحتل جزءًا غاليًا من تراب مصر، هي ما أسفرت عنه معركة العبور المجيدة من نصر مبين.
معركة العبور هي نصر محقق وجهاد مقدر في مواجهة حروب الجيل الرابع
فالجدير بالذكر أن هذه الفترة العصيبة يناير ٢٠١١م وما بعدها ، والتي تولى فيها الجيش المصري إدارة شئون الدولة المصرية برئاسة المجلس الأعلى للقوات المسلحة وقيادة المشير طنطاوي تعد من أخطر الفترات الحرجة التي تعرضت لها مصر في هذه الحقبة التاريخية في التاريخ الحديث والمعاصر.
إذ يعد المشير طنطاوي رجل الإنقاذ الأول في حروب الجيل الرابع فهو القائد المحنك الحكيم الذي أنقذ مصر من الانقسام ومن الحروب الأهلية ، كما حافظ على وحدة الصف العسكري داخل الجيش المصري ، كما حافظ كذلك على وحدة الصف بين أبناء الشعب المصري على اختلاف معتقداتهم مسلمين وأقباط ، وتوجهاتهم السياسة.
لقد استطاع أن يئد الفتنة في مهدها وأن يجمع بين أبناء الشعب المصري على كلمة سواء ، فجعلهم يداً واحدة تتصدى لكل غادر من المتأمرين على الوطن في الداخل والخارج.
هذا ومازالت معركة العبور قائمة لم تنتهِ بعد فهي باقية متأصلة في قلوبنا وهي مصدر قوتنا نستمد منها القوة والإصرار والعزيمة الصادقة في مواجهة الإرهاب الغادر في سيناء.
فنحن المصريين نقاتل الإرهاب بروح عبور أكتوبر تباركنا تباشير بدر الكبرى ، وحطين ، وعين جالوت ، بسيف صلاح الدين ، وحكمة قطز ، ودهاء السادات.
وحسبنا في ذلك بشارة نبينا صلى الله عليه وسلم للجيش الذي يقاتل الخوارج ، فيما رواه مسلم في «صحيحه»: عن عليّ بن أبي طالب إذ يقول : «لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ ، مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ».
فكان عليَّ بن أبي طالب أول من قاتل الخوارج في هذه الأمة فنصره الله عليهم ، ثم قتلته الخوارج وهو يصلي ومضى شهيداً إلى ربه ، وكان ذلك في ١٧رمضان عام ٤٠هـ / الموافق ٢٥ يناير عام ٦٦٠م.
وهذه مصر الأبية التي منحها خير البرية صلى الله عليه وسلم حق الريادة والقيادة للأمة الإسلامية من بعده ، فعقد لجيشها العظيم لواء الجهاد في سبيل الله مبشراً إياها بالنصر المبين دائماً وأبدا ً ، فاليوم جيش مصر العظيم يقاتل الخوارج في سيناء ليحظى بالبشارة النبوية ، فهنيئاً لشهدائنا بالفردوس الأعلى من الجنة.
هذا ومن هنا أيقنا أن الجيش المصري هو المعجزة العسكرية الكبرى التي بشر بها الصادق المصدوق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو الأول دائماً وأبدا ، وهو المعني بالطائفة المنصورة التي تحمل لواء الجهاد في سبيل الله إلى يوم القيامة.
حفظ الله مصر وبارك جيشها العظيم