إنسان مع العالم الآخر (٢) الأمير المحارب
بقلم: عبدالحميد أحمد حمودة
كانت تراوده الأحلام كل ليلة أثناء نومه، ولم يتذكر منها شيئا. وذات يوم، استيقظ خائفا، كان مرعوبًا من الحلم الذي رأى فيه العديد من الثعابين السوداء ذات الأحجام الكبيرة، والأنياب الكبيرة، حاولوا الوصول إليه، لكنه هرب من أمامهم، فتبعوه.
وفجأة، قابل محاربًا يرتدي ثيابًا قتالية بسيف ورمح كبير في يديه، ثم لم يرَ الثعابين التي كانت وراءه، فوقف ينظر إلى هذا المحارب المهيب، قال له:
– من أنت؟
قال:
– أنا أمير محارب من الجان، رأيتهم خلفك، وأتيت لإنقاذك منهم
قال له:
– ما هذه الثعابين، ولماذا يحاولون إيذائي؟
قال:
– إنهم من شياطين الجان، وكما رأيت قلوبهم لون أجسادهم، فاحذر منهم، فهم أعداء الله والإنسان.
استيقظ من نومه عندما قيل له، وتوضأ وصلى، وقرأ ما تيسر له من القرآن، ثم ذهب إلى العمل.
وعندما أنهى عمله ذهب لتناول الغداء مع بعض زملائه في أحد مطاعم المدينة، ثم عاد إلى المنزل متعبًا للذهاب إلى غرفته كالمعتاد كل يوم ليستريح قليلا، ثم يذهب لتناول العشاء مع عائلته ويكون معهم فترة حتى ينام.
أقبل الليل، وبدأ في النوم، كانت هناك أصوات من حوله تخيفه، نظر في كل الاتجاهات فلم يجد شيئًا، ثم عاد لينام مرة أخرى، فشاهد صحراء شاسعة بلا ماء ولا أشجار، وكأنه تائه فيها. فجأة، نظر فوقه، فرأى نسرا أبيض ضخما بأجنحة كبيرة تحلق فوقه في السماء، فتبعه حتى وصل إلى نهر يفيض منه ماء صاف، شرب منه وجلس في ظل شجرة على ضفة النهر، فظهر أمامه شاب وسيم في ثوب أبيض، وله لحية صغيرة، وشعر أسود على كتفيه، وعيناه متلألأتان بالنور. قال له:
– من أنت؟
قال:
– أنا الأمير المحارب، ألا تتذكر اليوم الذي تقابلنا فيه وكان خلفك ثعابين سوداء؟
نظر إليه بسعادة وشعر بداخله بالراحة والطمأنينة وهو جالس معه.
قال له:
– أين نحن الآن؟
قال:
– في صحراء بعيدة عن الناس والجان
قال له:
– رأيت نسرًا كبيرًا تبعته حتى وصلت إلى النهر
قال:
– هو ملك من ملوك الجان الصالحين، وهذا مكانه منذ آلاف السنين، وأنا من أتباعه.
نظر إليه بدهشة قائلا:
– كم عمرك؟
قال:
– أعيش من قبل ولادة سيدنا أحمد
اطمأنت نفسه بالتحدث معه فقال له:
– منذ عدة أعوام، رأيت امرأة تدعى لؤلؤة تركتني ولم أرها مرة أخرى.
قال:
– نعم، هي أميرة تحبك والله صرفها عنك، فلا تسأل عنها مرة أخرى.
قال له:
– لماذا يحدث كل هذا لي، ولماذا أراكم دائمًا في أحلامي؟
قال:
– أذكرك بقول الله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ” ستعرف كل شيء في الوقت المناسب عندما تكون مستعدًا، لا تتعجل.
تركه وذهب بعيدًا واستيقظ غير قادر على تصديق ما رآه في حلمه، توضأ وصلى، وقرأ ما تيسر له من القرآن.
مرت الأيام ولم ير في نومه شيئًا، إلا أنه يسمع أصواتًا أثناء نومه ولا يعرف السبب، حتى فكر في الذهاب إلى رجل سمع أنه معالج روحاني، وأنه يرى الجان.
فذهب إليه، وعندما جلس أمامه، أخبره بما حدث له، فدهش المعالج لما سمعه، وعندما انتهى من الكلام قال المعالج:
– الآن أرى أميرًا شابًا يبتسم خلفك
وفجأة قال:
– إنها امرأة.
فوقف المعالج متعجبا وقال:
– رجل وامرأة.
ثم نظر إليهما عن كثب وقال:
– أمير شاب، وأخته أميرة شابة، بوجوه بيضاء، وشعر أصفر، وعينين خضراوتين، يرتديان الزي الأبيض الذي كان يرتديه الرومان القدماء.
قال المعالج:
– اذهب من هنا، إنهم أقوى مني.
غادر منزل الرجل متفاجئًا بما سمعه منه، وذهب إلى منزله، وذهب إلى غرفته، وجلس هناك يفكر فيما سمعه منه.
مرت الأيام ولم يرَ أو يسمع إلا أصوات القطط التي تأتي إليه عندما يحاول النوم.
ذات ليلة رأى في نومه الأمير المحارب يقف أمامه في نفس الصحراء وكأنها بعيدة عنه، فحاول الاقتراب منه، لكنه لم يستطع، فحاول التحدث إليه، لكنه لم يستطع.
استيقظ من نومه على صوت يقول له:
– إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، احفظ الله يحفظك.