من الفتاوى الرمضانية رمضان وصيام أصحاب الأعمال الشاقة

قلم : أ.د/ عطية لاشين – أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر

 

الحمد لله القائل في القرآن الكريم : (يريد الله بكم اليسر ولايريد بكم العسر) والصلاة والسلام على من كان إذا خير بين أمرين اختار أيسرهما مالم يكن إثما.

 

وبعد :

post

 

فإن المسلم الذي يزاول مهنة شاقة تحتاج إلى جهد يفوق الجهد المبذول في غيرها بكثير ويتكبد أصحابها بسببها مشقة زائدة عن المشقة المألوفة في غيرها فهؤلاء يرخص لهم بالإفطار، للأدلة الآتية :

 

أولاً : إن الشرع الحكيم قد أحل بعض أصحاب الأعذار من الإفطار في رمضان خاصة إذا كان العذر لا يجعلهم يطيقون الصيام أو إذا أطاقوه قد أرهقوا شططا، وخشي عليهم مع الصيام تلف النفس كليا أو جزئيا وذلك كالشيخ الفاني والمريض مرضا يؤدي الصيام إلى تأخر شفائه، أو زيادةعلته وتفاقم مرضه، وكالمسافر يجهده الصوم لو صام فيقاس على كل هؤلاء أصحاب الأعمال الشاقة والمهن الصعبة الذين يجهدهم الصيام.

 

ثانياً : إن الحرج عن المسلم مرفوع والمشقة منفية في شريعة خاتم النبيين، بنص السنة والقرآن ومن ثم إذا أصاب العامل صاحب المهنة الشاقة حرج وتكبد المشقة غير المعهودة لو صام كان في حل من الإفطار.

 

ثالثاً : إن العبادة في الإسلام ليس من شأنها أن تكون حجر عثرة يحول بين المسلم وبين عمله ، وكسبه الحلال لنفسه، ولمن يعول بل على العكس من ذلك فإن السعي علي الأرزاق من أعظم العبادات.

 

الضوابط الواجب مراعاتها للإفتاء بالإفطار :

 

هناك قيود، وضوابط يجب مراعاتها لمن يزاول كل عمل شاق، والذي أبحنا له الإفطار، منها مايلي :

 

أولاً : إذا كان أجيرا أو موظفا يزاول مهنته الشاقة بمقتضى عقد بينه وبين صاحب العمل، وقد شرع في العمل قبل شهر رمضان ولو ترك العمل وتفرغ للصيام لتعطلت حركة العمل في هذا المكان، وتوقف دولاب الإنتاج مما يصيب صاحب العمل بضرر كبير فمثل هذا العامل إن أجهده الصوم وأرهقه الجوع والعطش رهقا بالغا مداه كان له أن يفطر ولو كان معه من المال ما يكفيه وذويه خلال شهر رمضان.

 

أما إذا كان يزاول عملا حرا لاسلطان لأحد عليه إن شاء ذهب وإن شاء جلس وكان عنده من المال ما يحقق ضروريات حياته وحاجياتها هو وذويه فمثل هذا لايجوز له الفطر وترك العمل وتفرغ لعبادة الصيام ، أما إذا كان لايملك ما يكفيه للنفقة عليه وعلى عياله خلال الشهر الكريم وكان لايستطيع مزاولة عمل آخر آخر أقل مشقة فله أن يعمل لتحصيل كفايته ولو ترتب على مزاولته لهذا العمل فطره لاستحالة الجمع بين العمل والصيام.

 

ثانياً: من الضوابط التي يجب مراعاتها للقول بالإفطار ألا يكون للعامل مورد آخر لرزقه سوى هذا العمل الشاق الذي يزاوله ، أما إذا كان له دخل آخر يكفيه فلا يباح له مزاولة هذه المهنة التي تكون على حساب الصيام بل عليه الصيام.

 

ثالثاً : ومن الضوابط المرعية أن يأخذ بالأسباب التي تجعل الصوم أمرا ميسورا له كأن يداوم علي تناول طعام السحور مع مراعاة تحقيق السنة في السحور وهي تأخيره إلى قبيل الفجر على ذلك يعينه علي التغلب على مشقة العمل الشاق.

 

رابعا : ومن القيود المرعية ألا يبدأيومه مفطرا بل يصبح صائما ثم يزاول مهنته وإذا استحال أوصعب عليه الاستمرار في الصيام كان في حل من الإفطار.

 

وختاماً : نختم الكلام عن هذه الفتوى بأمر مهم ، هو :

ماذا علي صاحب العمل الشاق إذا أفطر نتيجة مزاولة هذه المهنة الشاقة؟؟؟

 

إذا كان عمله هكذا طوال العام ولا تسنح لهم الفرصة علي مدار العام للقضاء فعليهم الفدية.

 

أما إذا واتتهم الفرصة لقضاء مافاتهم من الصيام وجب عليهم القضاء.

 

هذا والله أعلم والموفق للصواب.

 

وصلى الله على سيدنا محمد.

 

حررها أ.د /عطية لاشين – أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف.

زر الذهاب إلى الأعلى