الزكاة وأثرها على من أخرجها

بقلم: ا.د / عطية لاشين أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف

 

الحمد لله رب العالمين أمر عباده المؤمنين بإقامة أركان الدين ووصف من فعل ذلك بالمتقين فقال سبحانه :(ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)

والصلاة والسلام على خير المنفقين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم روت عنه كتب السنة “والصدقة برهان”.

 

post

وبعد:

فإن حديثنا عن هذا الموضوع ينقسم إلى مقدمة وعنصرين كما يلي :

 

المقدمة :

قال الحق الكريم سبحانه:(وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) وقال سبحانه:(وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم) وقال عز من قائل : (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين).

 

وقال رسولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بكتب أربع كلمات : عمله ،ورزقه وأجله ،شقي هو أو سعيد”.

 

والمعنى الجامع لهذه النصوص السابقة ان الله تكفل برزق كل كائن حي وضمنه له.

 

هذا الرزق الذي تكفل الله به للكائنات ومنهم الإنسان إما أن يكون رزقا مباشرا من الله للإنسان وهم عباده الأغنياء ، وإما أن يكون رزقا غير مباشر لبعض العباد بأن يأمر الله الأغنياء بأن يجعلوا في أموالهم التي رزقهم بها الله حقا معلوما لمن حرم نعمة الرزق المباشر وهم الفقراء ،قال الله عز وجل : (وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) وقال سبحانه:(وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ).

 

وفي حديث سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله لمعاذ بن جبل :”فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم” ومن ثم يكون الكل مرزوقا من الله عز وجل إما برزقه من الله عز وجل مباشرة ،وإما برزقه رزقا غير مباشر من ربه عن طريق أمر الله عز وجل للأغنياء بإخراج جزء من أموالهم للفقراء ، فيكون الكل مرزوقا من الله عزوجل وبذلك تحقق قول الله عز وجل :(وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها).

 

بعد هذه المقدمة يأتي الحديث عن عناصر الموضوع وهما:

 

العنصر الأول : الزكاة أحد أركان الإسلام٠

 

العنصر الثاني : تأثير الزكاة على نفس المزكي.

 

أولا : الزكاة أحد أركان الإسلام.

 

تأسس بنيان الإسلام على أركان عظام ، ودعائم جسام هذه الأركان بمثابة لبنات البناء المادي فكما لا قوام ولا قيام ولا وجود للبناء المادي إلا بوجود أعمدته ولبناته فكذلك لا وجود ولا قيام لبناء الإسلام المعنوي إلا بوجود هذه الأركان فإن وجدت كان البنيان مؤسسا على تقوى من الله ورضوان وإن انعدمت كان مؤسسا على شفا جرف هار فهوى بأصحابه إلى النار.

 

هذه الأركان التي لولاها ما كان الإسلام ورد ذكرها في حديث سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما الذي رواه عن أسعد الخلق سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم : “بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، والحج”.

وفي رواية “والحج والصوم”.

 

هذه الأركان منها ماهو من عمل القلوب وهو أهمها على الإطلاق ولا عبرة لوجود الأركان الأخرى طالما كان هذا الركن غير موجود هذا الركن متمثل في الشهادتين: شهادة أن لا إلاه إلاا الله وأن محمدا رسول الله أي الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالنبوة والرسالة ، والبعض الأخر من الأركان أركان ظاهرية تقوم بها جوارح الإنسان هذه الأركان غير الشهادتين منها ماهو عبادة بدنية وهما الصلاة والصيام ومنها ماهو عبادات مالية خالصة وهي الزكاة ، ومنها ماهو عبادات بدنية ومالية في آن واحد ويتمثل ذلك في عبادة الحج.

 

ولقد قرن القرآن الكريم في آياته الباهرة بين الصلاة والزكاة في أكثر من ثمانين موضعا من كتاب الله عز وجل مما يدل على أهمية الزكاة بين هذه الأركان ، وقد بلغ من أهميتها أن قاتل الصديق أبو بكر رضي الله عنه ما نعيها في حروب إسلامية مشهورة في التاريخ الإسلامي عرفت بحروب الردة ومما يستنبط من تسميتها بحروب الردة ان من أنكر وجوبها ، وجحد فرضيتها ، ولم يعتقد أنها من شرع الله فيكون بهذا الإنكار مرتدا خارجا من عداد المؤمنين ومعدودا من الكافرين ٠

ومما قاله الصديق أبو بكر في هذا الخصوص : “والله لأقاتلن كل من فرق ببن الصلاة والزكاة” وقال أيضا :”والله لو منعوني عناقا” وفي رواية “عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه”.

 

ومما يستنبط من قول الصديق السابق أهمية الزكاة في الإسلام وأنها لا تقل في أهميتها عن الصلاة كما أن قوله يعتبر ردا على من أنكر عليه إقدامه على حرب مانعي الزكاة وأنه في هذه الحرب يعتبر قائما بالحق منفذا له ومن ثم فلا ينبغي لأحد أن يعترض عليه وقد اقتنع كل الصحابة بما رآه سيدنا أبو بكر من إجبار الممتنعين عن أداء الزكاة إلى أدائها ولو اقتضى ذلك أن لا تضع الحرب أوزارها.

 

وفي النهاية نقول: لا يكون المرء مسلما إلا إذا حقق أركان الزكاة كلها ومنها الزكاة فمن حققها كلها إلا ركنا واحدا لم ينفعه تنفيذ ما قام به من هذه الأركان حتى يقوم بتنفيذ ما عطله ليجتمع له تنفيذ جميع أركان الإسلام.

 

العنصر الثاني : تأثير الزكاة على مخرجها٠

 

للزكاة تأثير فعال على نفس من أعطاها يتمثل ذلك فيما يلي:

 

١ _ من نفذ شرع الله في إيتاء زكاة ماله كان بإخراجه زكاة ماله مع تفعيله للأركان الأخرى التي تحققت بشأنه شروط وجوبها عليه كان من أهل الإسلام وفي نفس الوقت من أهل الإيمان، وإذا كان مخلصا فيما فعل كان من أهل الإحسان وكان يإخراجه الزكاة مقيما البرهان العملي على صدق إسلامه ، وكمال إيمانه، وكان منفذا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “والصدقة برهان”.

 

٢ _ من مؤثرات الزكاة الإيجابية على من أخرجها أنها تقيه شح نفسه ومن وقاه الله شح نفسه كان من المفلحين ، قال الله عز وجل :(ومن يوق شح نفسه فأولائكهم المفلحون).

 

وشح النفس من المهلكات ومما فطر عليه الإنسان قال تعالى: (وأحضرت الأنفس الشح) ولا يقي المؤمن نفسه من الشح المهلك إلا إذا أخرج زكاة ماله.

 

٣ _ مما يرجع بالمردود الإيجابي على نفس مخرج الزكاة انه يضمن دوام النعمة أي نعمة المال واستمرارها ،وعدم معاقبته بسلبها منه بل ويضمن المزيد منها قال تعالى :(وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولائكهم المضعفون).

 

وروي عن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قوله : “ما نقص مال من صدقة”.

 

٤ _ بإخراج المرء زكاة ماله يعد من الشاكرين الله شكرا عمليا لنعم ربه فكان محل ثناء من الله على ذلك قال تعلى :(اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) وأثنى الله على الخليل إبراهيم عليه السلام وكان من مسوغات الثناء ما جاء في قول الحق عز وجل :(شاكرا لأنعمه).

 

ومن مكافآت نعمة شكر الإنسان لربه مضاعفة ماله وإكثار ثروته قال تعالى :(لئن شكرتم لأزيدنكم).

 

٥ _ من أخرج زكاة ماله طهر بهذا الإخراج ماله ، وطهر نفسه من أوساخ ذنوبها ومعاصيها قال تعالى :(خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها)٠

وقال النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم “إنما هي أوساخ الناس” والمعنى العام لهذه العبارة النبوية الكريمة أن الزكاة تطهر مخرجيها من أوساخ الذنوب وأدران المعاصي.

 

٦ _ من أخرج الزكاة التي أوجبها الله في ماله وجعلها حقا للفقراء والمساكين فقد سلم من حقد الفقراء وحسدهم ودعائهم عليه بزوال هذه النعمة بل وتمنوا استمرار نعمته ومضاعفتها لأنهم منها يأكلون، وبسببها يعيشون حياة مكفية فيها أمورهم مقضية فيها حاجاتهم لا يشعرون بفرق كبير بينهم وبين الأغنياء لأن كلا من نعمة الله يصيب ويفيد ودائما كما يقال : كل ذي نعمة محسود ولا يسلم أصحاب نعمة المال من حسد الغير إلا بإخراج الزكاة.

 

٧ _ بإخراج الشخص زكاة ماله يكون بهذا الإخراج قريبا من الله قريبا من الناس قريبا من الجنة بعيدا عن النار ،والعكس صحيح من منع زكاة ماله كان بهذا المنع بعيدا عن الله بعيدا عن الناس بعيدا عن الجنة قريبا من النار

وهذا المعنى عبر عنه النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم فروت كتب السنة عنه ( الكريم قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة ،والبخيل بعيد عن الله بعيدعن الناس بعيد عن الجنة قريب من النار ).

 

٨ _ ومن التأثيرات الإيجابية للزكاة على نفس مخرجها انه ينال دعوة طيبة ممن أعطاهم زكاة ماله وربما كان الداعي قريبا من الله عز وجل فيستجيب الله دعوته ويحققها للمزكي الذي أخرج زكاة ماله.

 

قال الله تعالى :(وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم )أي أدع الله لهم إذا أخذت منهم زكاة أموالهم ولذلك كان من المتسحب للفقير فعله إذا أعطاه الغني زكاة ماله أن يدعو الله لهذا الغني الذي نفذ قول الله عز وجل :(وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم).

 

هذا والله أعلم.

 

وهذا غيض من فيض

وصلى الله على المصطفى سيدنا محمد

زر الذهاب إلى الأعلى