الطريقة الصحيحة في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم

عمرو حلمي

– الباحث بجامعة الأزهر

يخرج علينا من وقت لآخر من يجهر بالإساءة عن قصد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم , من المنافقين المحسوبين على الإسلام ومن غير المسلمين.

 

والذين يتعمدون الجهر بالإساءة يمكننا تصنيفهم إلى ثلاثة أصناف:

post

 

الصنف الأول : هم الحاسدون الحاقدون عليه.

 

الصنف الثاني : هم الجاهلون بقدره وسيرته العطرة.

 

الصنف الثالث : هم المفتونون بحال المسلمين وضعفهم وتخلفهم عن ركب الحضارة.

 

فأما الصنف الأول : فهم الحاسدون الحاقدون علي الرسول صلى الله عليه وسلم

فالحاقد يعلم الحقيقة وينكرها، ويهاجم عن علم ، وفي قلبه حقد وحسد لهذا الدين.

وهؤلاء الحاسدون الحاقدون يتعمدون الإساءة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم عن علم، وهذه الفرقة موجودة منذ بعثة نوح عليه السلام حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى : {وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِنْ نَبِيٍّ فِي الأَوَّلِينَ وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الزخرف (7)].

 

كيفية التعامل مع هذا الصنف الحاقد الحاسد العدواني

فهذا الصنف لابد له من موقف حاسم معه بأكثر من طريقة منها :

المقاطعة الاقتصادية ، ومنها الملاحقات القضائية في القضاء الدولي، و منها الردود الإعلامية القوية على ما يفعلونه ، و منها إيضاح أن العالم الإسلامي كله واقف وقفة واحدة للدفاع عن هذا الرسول العظيم؛ مما سيلقي الرهبة والرعب في قلوب من يهاجم، وبالتالي يفكِّر كثيرًا بعد ذلك قبل أن يهاجم.

 

وأما الصنف الثاني: فهم الجاهلون بالرسول صلى الله عليه وسلم

وهذه الفرقة موجودة بين المسلمين أنفسهم الآن ومنتشرة كذلك في العالم الغربي , وذلك بسب تقاعس

المسلمين عن دورهم الأساسي في نشر الإسلام.

 

فهذا الصنف من الناس في أمس الحاجة إلى أن يتعلم سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك يستوجب علينا نحن المسلمين أن نصل إليهم بلغتهم، وفي إعلامهم، وبكل الطرق التي نستطيع أن نصل بها إليهم، وبالوسائل التي يفهمونها، وبالمعلومات المناسبة عن رسولنا صلى الله عليه وسلم؛ ليعلموا أخلاقه، ويتعلموا سيرته ومناقبه ويعلموا تواضعه، ويقرءوا ويسمعوا عن عفوه وعدله ورحمته، وعن أنه كان رجلاً شاملاً يقود دولة، ويقود جيوشًا، ويحكم بين الناس بالعدل، ويربِّي ويقود، ويتعبَّد لله عز وجل خير العبادة، ومتفوقًا ومبدعًا في كل مجالات الحياة، وما من خُلُقٍ إلا وصل إلى قمته، كل ذلك في آنٍ واحد.

 

وبالتالي نفتح أمام هذه الجموع الهائلة الباب لأنْ تلتحق بهذا الدين العظيم، وما أكثر الذين التحقوا بهذا الدين بعد ظهور الرسالة، وكانوا أصلاً من الجاهلين بالرسول صلى الله عليه وسلم مثل أهل فارس، وشمال إفريقيا، والأندلس، وغيرها من بقاع العالم الكثيرة التي دخلت في الإسلام.

 

وأما الصنف الثالث: فهم المفتونون بحال المسلمين وبتخلفهم عن ركب العلم والحضارة.

فلابد أن يتقدَّم المسلمون في كل المجالات العلمية والاقتصادية والسياسية وقبل ذلك وبعده الأخلاقية؛ حتى يصبحوا خير قدوةٍ لهؤلاء، وخير دعاة لهذا الدين بالعمل وليس بالكلام فقط، وبالتالي ينبهر الغربيون والشرقيون وغير المسلمين بصفة عامة بحال المسلمين المتفوِّق والمتقدم.

 

وليست النصرة بالهشتاج في المواقع الإلكترونية إنما النصرة بالمنهاج

انتشر في الآونة الأخيرة شعار إلا رسول الله عبر وسائل التواصل الاجتماعي السوشيال ميديا , يقصد به التعبير عن مظاهر الحب للرسول والغضب له كذلك ضد الهجمات الإلحادية , وحقيقة الأمر أن النصرة ليست في المواقع إنما النصرة الحقيقية تكون في الواقع , فالشعارات وحدها لا تكفي.

 

يقول الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140], فكفار قريش كانوا يقولون قصائد تذم الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام ، ولم تصل لنا هذه القصائد لأن المسلمين لم يتناقلوها ولم يعيروها أي اهتمام فاندثرت.

 

فالواجب علينا أن نهمل كل ما يسيء للرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام حتى لا نساعد في انتشاره.

ولنعمل بوصية عمر رضي الله عنه : «أميطوا الباطل بالسكوت عنه ، ولا تثرثروا فيه فينتبه الشامتون».

 

وقد قال تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ(94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ(95) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ(96)وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ(98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ(99)} [الحجر :٩٤-٩٩].

 

فإن كنتم مُحِبَّين لنبيّكم فانظروا مكانكم من سنته واتباعها والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، ولا تلتفتوا لأعدائه ولا تدخل على صفحاتهم ولا تشاهدوا فيديوهاتهم ولا تقرئوا كلامهم المسيء للرسول وتذكروا دائما أن الله يقول لنا : {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ}[الزمر(٣٦)], كما يقول لنبيه : {وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين}[الحجر(95) ].

 

وختاماً : النصرة إنما تكون بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم , والسير على منهاجه وهذا يلزم منه أن نكون على معرفة تامة بحياة النبي وكيفية الاقتداء به، وذلك يكون بأن نتعلم سيرته العطرة , وأن نطبق سنَّته تطبيقاً عملياً فقد كان خلقه القرآن بل كان قرآناً يمشي على الأرض.

والاقتداء يكون في كل ما يتعلق بالحبيب في كل شيء, فنقتدي به في ثبته على دعوته, وفي حرصه على نشرها, وفي غيرته عليها, وفي حبه لها, فقد تعرض لأصناف من الترغيب والترهيب , كما تعرض كذلك لأنواع من الأذى والاضطهاد, ولصنوف من المقاطعة من أعداءه, ولكنه ظل ثابتًا على مبدئه.

لقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثال في ثباته على دعوته, وفي دفاعه عنها, وفي حبه لها, وفي بذله أسمى الدرجات في الدفاع عنها.

والاقتداء والتأسي بالنبي هو المنهاج القويم والصراط المستقيم, إلى محبته, وإلى محبة الله.

فإذا كان الحب منهاج حياة, فإن أعظم أنواع المحبة وأكملها الحب لله وفي الله وحب رسول الله

 

فاجعلوا الحب لله وفي الله حتى تذوقوا حلاوته, يقول رسول الله: « ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله»رواه مسلم

ومحبة الله تعالى تعني الطاعة المطلقة له سبحانه وعدم الخروج على شرعه,ومن محبة الله اتباع رسول الله قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[آل عمران(31)].

 

ومحبة الرسول هي أصل الإيمان, وفي الحديث :«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» متفق عليه.

 

ومن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم الاقتداء به والسير على منهاجه والتمسك بسنته والتخلق بأخلاقه .

 

فإذا تأسينا واقتدينا بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وفي أفعاله, وفي عباداته, وفي معاملاته, وفي أخلاقه, نكون بذلك كله قد حققنا محبته , ونكون قد دفعنا عنه ضد كل المغرضين من المنافقين والكافرين الذين لا يؤمنون بيوم الدين.

 

إن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يكون في التمسك بسنته, وفي العمل بها باطنًا وظاهرًا، وحبًّا لصاحب المنهج، ومعرفةً بمنهجه الذي نريد الاقتداء به فيه، ووعيًا بالقيم العظيمة التي نستلهمها من حياته، والتدرُّج بالنفس شيئًا فشيئًا حتى تكون صبغتها الدائمة هي الحياة على المنهاج النبوي، والاسترشاد بمن اقتدى بالنبي من المصلحين والدعاة، ومحاولة التزام الصحبة الصالحة التي تعين على الثبات على هذا المنهاج.

زر الذهاب إلى الأعلى