التنصت على المكالمات الهاتفية وتسجيلها فى القانون المصرى
بقلم د / نجوى احمد محمد المحامية بالاستئناف العالى ومجلس الدولة واستاذ القانون الدولى
لا شك أن للحياة الخاصة قدسيتها وحرمتها وهو أمر بديهى منذ بدء الخليقة وقد اعتنت به جميع الأديان وحثت عليه التقاليد والأعراف، وتعد المحادثات التليفونية جزء لا يتجزأ من الحياة الخاصة للفرد ذاك أن الهواتف على مختلف انواعها وامكانياتها تعد مستودع الأسرار والتفاصيل التى لا تهم سوى طرفى المكالمة أو المحادثة التليفونية، ولا يجوز ان يطلع عليها طرف ثالث بدون استئذان طرفيها.
بيد أن ثورة الاتصالات والتطورالالكترونى الرهيب والمتسارع الذى اجتاح العالم مؤخرا أدى الى احتمالية تسجيل والتقاط المكالمات والمحادثات الهاتفية الشخصية بمختلف الطرق وافشاء ما تحتويه من أسرار بل والتهديد بمادتها فى بعض الأحيان.
وأصبح من السهل أن نجد العديد من المكالمات الشخصية التي نجريها أو تلك التي قد أجريناها بهواتفنا الصغيرة المحمولة التى انتشرت كالنار فى الهشيم واصبحت فى يد الصغير والكبير تم تسجيلها وحفظ تفاصيلها الصوتية الدقيقة ويتصور البعض انه ممكن استخدامها كدليل اتهام فى جريمة ما ،وهو صحيح لكن بضوابط وشروط نتابع شرحها من خلال هذا المقال
اذن أمامنا عدة أسئلة:
1- هل يجوز تسجيل المكالمات الهاتفية بدون إذن قضائي ؟
2- هل يجوز لمتلقى المكالمة أن يقوم بتسجيلها إذا تضمن الحديث التليفونى عدوانا عليه (سواء كان عدوانا لفظيا أو تهديدا أو تحرشا أو تحريضا على ارتكاب جريمة مثلا ؟ وهل يعتد بهذا التسجيل كدليل يقبله القانون ضد المعتدى؟ وهل المعتدى عليه نفسه لا يكون بذلك قد خالف القانون واصبح معرضاً للعقوبة؟
للاجابة على هذه الأسئلة لابد أن نعرف أولا أن الأصل هو سرية المحادثات التليفونية وقد أضفى عليها المشرع المصري حماية دستورية وقانونية، باعتبارها من ضمانات حماية الحياة الخاصة، ولا يكون تسجيل المكالمات التليفونية صحيحاً، كما لا يمكن اعتباره دليلاً يعتد به أمام المحاكم، إلا إذا سبقه أمر قضائي مسبب فى بعض الحالات التى حددها المشرع (المادتين 95، 95 مكرر من قانون الاجراءات الجنائية)
عقوبة تسجيل المكالمات
نصت المادة 57 من الدستور المصرى أنّ تسجيل المكالمات يدخل في نطاقة المراسلات البريدية والإلكترونية والبرقية، ويشمل أيضاً المحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصالات المختلفة، لكون هذه المكالمات وعاءً للحياة الخاصة، ويعبر فيها صاحبها عن ذاته، وقد يبوح بأسراره، وبما قد يعلمه من معلومات أخرى يتداول فيها الرأي أو المشورة مع المتلقي، وعلى من يتلقى حديثاً من الغير أن يلتزم بواجب الكتمان، باعتباره التزاما أخلاقيا للائتمان على مضمونه، وعدم البوح به إلا برضاء صاحبه.
ونصت المادة 309 مكرر من قانون العقوبات المصرى على أنّه “يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون”
يستثنى من عقوبة التنصت على المكالمات ما جرى تسجيله أو نقله أو تصويره في مكان عام لافتراض الرضا وعلانية ما تم نقله أو تسجيله أو تصويره، كما لا تعد جريمة إذا كانت تلك الأسرار متعلقة بالمهنة أو الوظيفة وذلك كونها ملك للعامة ويشترط في ذلك عدم مساسها بالحياة الشخصية، ويحق للقاضي فقط إعطاء أوامر بتسجيل المكالمات وذلك وفقاً لما ورد في نصوص المواد 95 و95 مكررا و206 من قانون الإجراءات الجنائية.
ورأت محكمة النقض أن تجيز تسجيل المكالمات التليفونية إذا كانت تنطوى على سب وقذف من تليفون المجنى عليه الذى يكون له بإرادته وحدها ودون حاجه إلى الحصول على إذن من رئيس المحكمة الابتدائية بتسجيلها بغير أن يعد ذلك اعتداء على الحياه الخاصة لاحد، أما إذا جرى تسجيل إحدى المكالمات وتعرّض صاحبها للتهديد بإفشاء أسراره التي جرى الحصول عليها من المكالمة ففي هذه الحالة يعاقب الفاعل بالحبس مدّة قد تصل إلى 5 سنوات،
والجدير بالذكر أنه إذا كان الفاعل صحفياً فانه يتم الحكم عليه بالعقوبة الأشد ويضاف إليها المادة 21 من قانون الصحافة”.
أن المشرع رتب جزاء تصل عقوبته إلى الحبس 3 سنوات على كل من أذاع أو سهل إذاعة أو استعمل ولو فى غير علانية تسجيلاً أو مستنداً تحصل عليه بغير رضاء أو إذن صاحبه “مادتين 309 مكررا، 309 مكررا أ”، ويكون الرضاء مفترضاً (اى أن المشرع يفترض ان هناك اذن أو رضاء) إذا تم تسجيل الأحاديث التى تجرى على مرأى ومسمع من الحاضرين، أما غير ذلك فلابد من رضا صريح وغير مفترض من المسجل له، حتى ولو كان مضمون التسجيل مجرد معلومات مهنية ولا يتعلق بالحياة الخاصة، فتسجيلها دون إذن صاحبها لا يحمى من قام بهذا الفعل من العقاب وهذا هو ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية عام 1997″.
هل يمكن تسجيل مكالمة تليفونية بدون أذن من القاضى؟
نصت المادة 76 فقرة 2 من قانون تنظيم الاتصالات 10 لسنة 2003 على أنه مع عدم الإخلال بالحق في التعويض المناسب يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تتجاوز 20 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعمد إزعاج أو مضايقة غيره بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات، وحتى يثبت المجنى عليه تعرضه لهذا الاعتداء، يحق له تسجيل المكالمات التى تتضمن هذا الاعتداء، وسوف يتم قبول هذا التسجيل أمام جميع المحاكم والنيابات لأنه دليل يتفق مع القانون ومبادئ النقض، وليس فى ذلك أى مخالفة على المجنى عليه.
فالمكالمات التليفونية لابد أن تكون فى النطاق المشروع، وإذا استخدمت كوسيلة لارتكاب الجرائم تخرج من نطاق الحماية المقررة لها قانون، وحتى يصبح تسجيل المكالمات الهاتفية مشروعا لابد من توفر شرطين:
الأول: أن نكون بصدد جريمة معاقب عليها.
الثانى: أن تسجيل المكالمة هو الوسيلة الوحيدة لإثبات الجريمة.
ذلك أن حالة الضرورة هى التى تطلبت هذا التسجيل لإثبات مضمون المكالمة التليفونية وما تحمله من جرائم، وبدون هذا التسجيل لن يتمكن من إثبات الجريمة، ويعتبر فى هذه الحالة التسجيل هو حالة من حالات الدفاع الشرعي عن النفس، ولذلك لا يمكن النظر إلى الدليل هنا على أنه دليل غير مشروع يجب استبعاده، بل يجب الاعتداد به وقبوله شريطة أن يكون المجنى عليه نفسه هو الذى قام بالتسجيل، أما قيام السلطات بالتسجيل للأفراد، فلا يكون ذلك إلا فى إطار القواعد والإجراءات والحالات التى حددها المشرع أى الحصول قبل التسجيل على إذن قضائي مسبب حيث لا يكفى إذن من النيابة العامة، كما لا يكفى إذن دون تسبيب.
وقد قررت محكمة النقض أنه للشخص الحق في تسجيل المكالمات دون الحصول على إذن من رئيس المحكمة الابتدائية وذلك فى القضية رقم 22340 لسنة 62 القضائية والذى جاء به نصا ” لما كان ذلك، وكان نص المادة 95 مكرراً من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى على أنه لرئيس المحكمة الابتدائية المختصة في حالة قيام دلائل قوية على أن مرتكب إحدى الجرائم المنصوص عليها في المادتين 166 مكرراً، 308 مكرراً من قانون العقوبات قد استعان في ارتكابها بجهاز تليفوني معين أن يأمر بناء على تقرير مدير عام مصلحة التلغراف والتليفونات وشكوى المجني عليه في الجريمة المذكورة بوضعه تحت المراقبة للمدة التي يحددها – ومفاد ذلك بصريح النص وواضح دلالته – أن المشرع تطلب مباشرة الإجراءات المبينة بالمادة المار ذكرها كي يوضع تحت المراقبة التليفون الذي استعان به الجاني في توجيه ألفاظ السب والقذف إلى المجني عليه. لما كان الثابت من الأوراق أن تسجيل المكالمات التليفونية التي استند إليها المدعيان بالحقوق المدنية كدليل في الأوراق قد تم دون الحصول على الإذن المسبب من القاضي الجزئي المختص وفقاً لصحيح القانون ومن ثم فلا يجوز الاستناد إليه كدليل، ويكون دفع المتهمين في هذا الصدد قد جاء متفقاً وصحيح القانون”. … أن تلك الإجراءات فرضت ضمانة لحماية الحياة الخاصة والأحاديث الشخصية للمتهم، ومن ثم فلا تسري تلك الإجراءات على تسجيل ألفاظ السب والقذف من تليفون المجني عليه الذي يكون له بإرادته وحدها ودون حاجة إلى الحصول على إذن من رئيس المحكمة الابتدائية بتسجيلها بغير أن يعد ذلك اعتداء على الحياة الخاصة لأحد، ومن ثم فلا جناح على المدعيين بالحقوق المدنية إذ وضعا على خط التليفون الخاص بهما جهاز تسجيل لضبط ألفاظ السباب الموجهة إليهما عن طريق الهاتف ،لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى الى بطلان الدليل المستمد من الشريط المسجل بمعرفة المدعين بالحقوق المدنية من جهاز التليفون الخاص بهما فانه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يعيبه ويوجب نقضه …”
والى لقاء قادم ان شاء الله
والله ولى التوفيق