الوصية الثالثة النهى عن قتل الأولاد بسبب الوقوع في الفقر .

بقلم : د. عمرو حلمي

أعزائي القراء لقد تناولنا في المقالات السابقة مفهوم الوصايا العشر إجمالا , وأهميتها, والوصية الأولى وكانت عن: عدم الوقوع في الشرك عن طريق اتخاذ آلهة وأولياء مع الله تعالى, والوصية الثانية وكانت عن : الإحسان للوالدين.

وفي هذا المقال نستكمل الحديث عن : الوصية الثالثة من الوصايا القرآنية العشر , وموضوعها عن النهى عن قتل الأولاد بسبب الوقوع في الفقر, قال تعالى:{وَلاَ تقتلوا أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}.
والإملاق هو : الفقر، مصدر أملق الرجل إملاقا إذا احتاج وافتقر.
والمعنى أي: لا تقتلوا أولادكم الصغار من أجل الفقر فنحن قد تكفلنا برزقكم ورزقهم.

قال تعالى:{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأرض إِلاَّ عَلَى الله رِزْقُهَا} ولا شك أن الحياة حق لهؤلاء الصغار كما أنها حق لكم. فمن الظلم البين الاعتداء على حقوقهم، والتخلص منهم خوفا من الفقر، مع أن الله تعالى هو الرازق لكم ولهم. والمجتمع الذي يبيح قتل الأولاد خوفا من الفقر أو خوفا من العار، لا يمكن أن يصلح شأنه، لأنه مجتمع نفعي تسوده الأثرة والأنانية، ويكون في الوقت نفسه مجتمعا أفراده يسودهم التشاؤم، وتتغشاهم الأوهام، لأنهم يظنون أن الله يخلق خلقاً لا يدبر لهم حقهم من الرزق، ويعتدون على روح بريئة طاهرة تخوفا من جريمة متوهمة ، وذلك هو الضلال المبين.

وقد روى النهى عن قتل الأولاد هنا بهذه الصيغة، وورد في سورة الإسراء بصيغة أخرى:
هي قوله تعالى:{وَلاَ تقتلوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم}وليس إحداهما تكراراً للأخرى, وإنما كل واحدة منهما تعالج حالة معينة, فهنا يقول سبحانه:{مِّنْ إمْلاَقٍ}أي: لا تقتلوهم بسبب الفقر الموجود فيكم أيها الآباء لذا قال:{نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } فجعل الرزق للآباء ابتداء، لأن الفقر الذي يقتِلون من أجله أولادهم حاصل لهم فعلا.

post

وفى سورة الإسراء يقول:{خَشْيَةَ إِمْلاقٍ}أي: خوفا من فقر ليس حاصلاً، ولكنه متوقع بسبب الأولاد ولذا قال:{ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } فقدم رزق الأولاد لأنهم سبب توقع الفقر، ليكف الآباء عن هذا التوقع، وليضمن للأولاد رزقهم ابتداء مستقلا عن رزق الآباء.

ففي كلتا الحالتين القرآن ينهى عن قتل الأولاد، ويغرس في نفوس الآباء الثقة بالله، والاعتماد عليه.
وجملة:{نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} , تعليلية لإبطال ما اتخذوه سبباً لمباشرة جريمتهم، وضمان منه سبحانه لأرزاقهم أي : نحن نرزق الفريقين لا أنتم وحدكم، فلا تقدموا على تلك الجريمة النكراء وهى قتل الأولاد لأن الأولاد قطعة من أبيهم، والشأن حتى في الحيوان الأعجم أنه يضحي من أجل أولاده، ويحميهم ويتحمل الصعاب في سبيلهم.

هذا وسنتعرف على الوصية الرابعة من الوصايا العشر, النهي عن الاقتراب من العلاقات الجنسية المحرمة سواء كانت علنية أو سرية في المقال القادم إن شاء الله.

زر الذهاب إلى الأعلى