فضل العشر الأواخر من رمضان وليلة القدر
هالة يونس
إذا كان جُل رمضان وأكثره قد ذهب ، فإن الذي قد بقي منه هو الذّهب
فإذا انتهي العشر الأوائل من رمضان عشر الرحمة وانتهي العشر الأواسط من رمضان عشر المغفرة فقد بقي العشر الأواخر وهم عشر العتق من النار فلنجتهد فيما تبقي لننول الثواب الأعظم.
ففي الحديث الصحيح : “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيره” متفق عليه.
فكان يجتهد في العبادات والطاعات ويستزيد من النوافل والصدقات وكان مثل الريح المرسلة في إخراج الصدقة.
وفي الحديث الصحيح : “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله” , وفي رواية :”طوي فراشة”.
معنى “شد مئزره” :ىلها تفسيران :
الأول : هو إنه كان يعتزل النساء في تلك العشر الأواخر.
الثاني : كان يشمر للعبادة ويجتهد في العبادات ويستزيد من الطاعات.
ومعنى “أحيا ليله” :
1 – يعني ليس هناك نوم
2- كان يحي ليله أي يحي قلبه بذكر الله وقراءة القران الكريم وقيام الليل والتهجد فيه والتضرع إلي الله تعالي والتذلل والدعاء وكان يكثر من الدعاء.
ومعنى “يوقظ أهله” : أي أزواجه وجميع أهل بيته ليشاركوه الثواب العظيم , ما بين قيام ليل وذكر وقراءة قرآن و إخراج صدقات وزكاه.
إن الله تعالي اصطفي من بين أيام رمضان العشر الأواخر , واصطفي من بين هذه الأيام ليلة القدر , لعظم قدرها ولعظم شأنها عند الله تعالي لنزول القرآن الكريم في هذه الليلة المباركة
فأصبحت عظيمة بالقرآن ورفع شأنها بالقرآن, قال تعالي : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) الدخان (3).
فليلة القدر : يقدر الله تعالي فيها أرزاق العباد , وهي ليلة صاحبة قدر عظيم الشأن لمن أحياها وانتفع بفضلها وثوابها الذي ليس له مثيل , وفي الحديث : “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” رواه البخاري ومسلم.
كان رسول الله يقيم ليلها ويصوم نهارها وهو الأسوة الحسنة لجميع امة المسلمين فكان الحبيب المحبوب لا يجعل هذه الليلة تذهب منه هباء فكان يكثر الصدقات علي الفقراء ويكثر الذكر والقيام والدعاء الكثير.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها : “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه فقالت له لما تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك فقال يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا”.
وفي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : “يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ماذا أقول فيها ؟ قال : قولي اللهم انك عفو تحب العفو فأعفوا عنا”.
وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء”ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار”, كان يدعوا بهذا الدعاء في رمضان وغيره.
قال تعالي في شأن هذه الليلة العظيمة : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) : أنزل القران الكريم علي رسول الله فعظم شأنها واعلي قدرها بكلامه المقدس المنزه عن أي نقص.
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) : أي ما أدراك وأعلمك بشأن هذه الليلة العظيمة المباركة , وما فيها من خيرات وثواب عظيم , وعطايا وهبات , وما فيها من رحمة ومغفرة وعتق من النار وسكينة للمؤمن من رب كريم يعطي عباده بفائض ويعفو عنهم لأنه العفو الرحمن الرحيم رب العزة القادر علي كل شيء وهو رب كل شيء ومليكه.
(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) : فسرها العلماء بان ألف شهر تساوي 83 سنة حسنات
فمن يقوم في هذه الليلة عظيمة الشأن من طاعات وعبادات وفعل خيرات من صلاة وذكر وقيام وصدقة وصلة رحم يكتب عند الله تعالي في ميزان حسنات كأنه يقوم بهذه الأعمال منذ 83 سنة وممكن أن يكون أول مرة يقوم بهذه الأعمال في هذه الليلة ولكن قام وصدق وأخلص في عبادته في هذه الليلة مع الله فنال العفو والمغفرة من رب رحيم فلا تضيعوا هذه الليالي العظيمة من أيديكم ولكن العبرة مش بمن سبق ولكن العبرة بمن صدق.
فأخلص النية لله واعفو عن جميع خلقه اعفو عمن ظلمك في الدنيا فإذا عفوت عفي عنك العفو ونولت العفو الاكبر يوم القيامة.
(تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) : تتنزل الملائكة حشود في هذه الليلة المباركة بأمر من الله طوال الليل طالعين نازلين ليطمئنوا عباده المؤمنين ويلقوا السكينة والرحمة عليهم و نزول الملائكة لتفقدهم من ساجد ومن قائم ومن ذاكر لله ومن يتصدق ومن يخرج ذكاه ومن يصل رحمه ومن يعفو ويصفح ليبلغوا رب العالمين وليباهي الله بعباده المؤمنين الملأ الأعلى
ويكونوا ممن نالوا العفو والمغفرة والرحمة والعتق من النار.
(سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ): هي ليلة سلام من الله تعالي علي عبادة المسلمين المؤمنين حتى مطلع الفجر. فهي ليلة يحدث فيها اتصال والتحام ما بين أهل السماء وأهل الأرض فهي ليلة طمأنينة ورحمة وسكينة وسلام وعتق من النار.
فلا تجعل أيها المسلم هذه الليلة تذهب منك هباء بدون أن تغتنم مغانهما
اللهم يا ربنا اجعلنا وإياكم من عتقاء هذه الليلة المباركة العظيمة
وصل الله علي سيدنا محمد صاحب الهيبة والنور والجلال العظيم وعلي اله وصحبه وسلم