د. شعبان الرفاعي..يكتب..غزوة بدر الكبرى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يعيش المسلمون هذه الأيام ذكرى يوم من أيام الله الخالدة، التي أعز الله فيها جنده، ونصر عباده المؤمنين على الشرك وأهله، ألا وهي ذكرى غزوة بدر الكبرى، والتي تطل علينا والأمة الإسلامية في أشد حالات ضعفها، والمسجد الأقصى يئن تحت قبضة الصهيونية، ويتعرض للاعتداء المتكرر ليلا ونهارا في ظل صمت المجتمع الدولي، وعجز الأمة إلا عن الشجب والتنديد.
وقعت غزوة بدر الكبرى في يوم السابع عشر من شهر رمضان المعظم، في السنة الثانية من الهجرة، وكانت أول مواجهة مباشرة بين المسلمين بقيادة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، والمشركين بقيادة أبي جهل عمرو بن هشام لعنه الله.
وقد انتصر فيها المسلمون على الرغم من قلة عددهم وعدتهم كما أخبر بذلك المولى تبارك وتعالى فقال:” إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا” (الأنفال:42).
وتعد غزوة بدر من أيام الله الفارقة في التاريخ الإسلامي، وقد سمى الله يومها بيوم الفرقان، لأن الله فرق فيه بين الحق والباطل، فقال تعالى:” وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (الأنفال:41).
ونحن إذا نتحدث عن هذه الغزوة المباركة فإننا نستلهم من أحداثها ونتائجها؛ أن النصر من عند الله، وأن الله تعالى ناصر هذا الدين وهذه الأمة على أعدائها مهما تباينت وتفاوتت القدرات بينهم وبين عدوهم في العدة والعتاد؛ ففي بدر خرج المشركون في قوة تفوق قوة المسلمين عددا وعدة؛ فقد حشدت قريش ألفا من مقاتليها الشجعان، بينهم مائة فارس، بينما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا، ولم يكن معهم إلا فرسان؛ فرس للزبير، وفرس للمقداد بن الأسود الكندي، و سبعون بعيرا، وكان الرجلان والثلاثة منهم يتعاقبون على البعير الواحد، وعلى الرغم من هذا التفاوت الكبير بين القوتين، فقد حقق المسلمون انتصارا باهرا أكسبهم مهارة عسكرية، وشهرة واسعة في الجزيرة العربية وخارجها.يقول الله تعالى:” وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (الأنفال:10).
كما نستلهم من روح بدر أن الأخذ بالأسباب والاستعداد الجيد من أهم أسباب النصر؛ فقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالأخذ بأسباب النصر، والتي تتمثل في تقوى الله تعالى، وإعداد العدة، والصبر عند ملاقاة العدو والثبات، وإخلاص النيّة لله ، وضرورة البعد عن أسباب الشحناء والاختلاف، والإكثار من ذكر الله عز وجل ، والأخذ بكافّة الأسباب الممكنة ، والتوكّل على الله عز وجل.
وفي ذلك يقول الله تعالى:” وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ” [الأنفال: 60].
ويقول عزوجل:” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” [الأنفال: 45-46].
كما نستلهم من غزوة بدر أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل على الله تعالى؛ فعلى المسلم أن يأخذ بأسباب النجاح في كل مجالات الحياة، مع حسن التوكل على الله تعالى، ففي غزوة بدر أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بجميع الأسباب المادية والمعنوية، إلا أن ذلك لم يمنعه من اللجوء إلى الله سبحانه رافعا يديه مبتهلا ومتذللا، طالبا للنصر ومستجلبا للعون والمدد، حتى سقط رادءه من على كتفه الشريف وهو يقول:” اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد”، اللهم أنجز لي ما وعدتنى”، حتى أشفق عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقال له:” يا نبي الله: بعض مناشدتك ربك، فإن الله منجز لك ما وعدك”.
تأتي ذكرى غزوة بدر لتجدد في نفوسنا اليقين بأن نصر الله تعالى آت لا محالة، وأنه يجب على الأمة أن تأخذ بأسباب النصر مع حسن التوكل على الله تعالى، يقول تعالى:” وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” [الحج: 40].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين