الحسد تعريفه ووقوعه وطرق علاجه
ا.د عطية لاشين
ا.د عطية لاشين أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف
الحمد لله رب العالمين نحمده حمد الشاكرين ونتوب إليه توبة المذنبين المستغفرين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وسيد ولد آدم أجمعين سيدنا محمد ٠
وبعد :
فإن حديثنا عن الحسد يتكون من العناصر الآتية :
١ – تعريف الحسد.
٢ اعتقاد الناس فيه من عدمه.
٣ طرق علاجه.
سائلين الله التوفيق والعصمة والسداد.
العنصر الأول : التعريف
يعرف الحسد بأنه صفة شر في الحاسد يتمنى من خلالها زوال النعمة عن صاحبها ولا يهمه بعد ذلك أن تنتقل إليه أم لا .
والعين والحسد من الأخلاق السيئة ، والخصال القبيحة، والأمراض الفتاكة ،والحسد عاقبته خسرا حيث يؤدي إلى النزاع والخصام والعداوة والبغضاء ويقود إلى الهم والغم ويقتل الحب والود الذي يجب أن يكون سائدا بين الناس .
والحسد ينم عن نفسية الحاسد الخبيثة والشريرة والحاقدة والناقمة والمعترضة على أقدار الله وأفعاله فيضره أن يرى غيره يرفل ويتقلب في نعم الله وخيراته رغم أن ذلك لا يضره بل قد ينفعه حيث يعود صاحب النعمة على غيره ببعض ماأفاء الله عليه ،ولذلك قيل : إن الحاسد يضر نفسه بحسده قبل أن يضر المحسود فهو يشعر بالضيق والألم والحنق والغيظ ونار الحقد تشتعل في قلبه إذا رأي غيره متنعما بنعم الله عز وجل فهو أي الحاسد معذب مغموم غير راض عن الله في تصرفاته ولا يحب الخير لغيره .
ولأن من حفر لغيره حفرة وقع هو فيما حفر فالجزاء من جنس العمل ،وكما قيل بنياتكم ترزقون وكما قال الله عز وجل :(هل جزاء الإحسان إلا الإحسان )
قال الشاعر :
ألا قل لمن بات لي حاسدا
إلى من قد أسأت الأدبا
لقد أسأت إلى الله في فعله
كانك لم ترض لي ما وهبا
فكان جزاؤك أن خصني
وسد عليك طريق الطلب.
والحسد على النحو السابق مذموم ممقوت شر كله هذا على عكس مايسمى الغبطة وهي أن تتمنى أن يكون عندك ماعند غيره من غير أن تتمنى زوال النعمة عن صاحبها فهذا تمني مشروع ولا إثم فيه يؤدي إلى التنافس في فعل الخيرات، والاستباق إلى الطاعات ، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون .
روت كتب السنة عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قوله :(لاحسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه أناء الليل وأطراف النهار ).
وروى المحدثون عنه صلى الله عليه وسلم قوله :(إنما الدنيا لأربعة نفر )ومن هؤلاء النفر (رجل آتاه الله علما ولم يؤته مالا قال لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء )
العنصر الثاني :
أراء الناس في الحسد وتأثيره:
الناس في الاعتقاد في الحسد وكونه موجودا أو غير موجود وفي الاعتقاد بأن له تأثيرا أراء ثلاثة.
الأول : مفرطون وموسوسون ويربطون كل ما يحصل لهم ويعلقون ذلك على الحسد وهذا الاعتقاد المفرط المبالغ فيه يلجئهم عند العلاج عند الكهان والسحرة والمشعوذين .
الثاني النوع الثاني من الناس على طرفي نقيض من النوع الأول حيث ينكرون وجود ما يسمى بالحسد ولا يؤمنون بالعلاج ولو كان شرعيا عن طريق الرقية الشرعية ويقولون هذا أساطير الأولون اختلقوها.
الثالث : النوع الثالث من الناس بشأن الاعتقاد في الحسد وتأثيره وسطي الاعتقاد حيث لا يؤمنون به كلية ولا ينكرونه بالمرة وإنما هم وسط بين هؤلاء وأولائك حيث يؤمنون بوجود الحسد وأن له تأثيرا على المحسود ولكنهم يسعون في علاجه بعيدا عن الدجل بل يستعملون في علاجه الطرق المشروعة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا ينسبون نتائج الحسد إلى الحسد ذاته بل ينسبون نتائجه إلى الله وكأنهم يطبقون في ذلك قول الله :(وماهم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ).
وهذا الراي الذي ئؤمن فيه أصحابه بوجود الحسد وبتأثيرته هو ما عليه أهل السنة والجماعة كما أنه الرأي الذي تعضده النصوص الشرعية الواردة بشأن الحسد في الكتاب والسنة.
أما الكتاب فقد قال الله عز وجل :(أم يحسدون الناس على ماأتاهم الله من فضله ).
وقوله سبحانه :(وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ).
وقوله عز من قائل في سورة الفلق في ختامها : (ومن شر حاسد إذا حيد ).
وفي الهدي النبوي قال صلى الله عليه:(اتقوا العبن فإن العين حق وإنها لتدخل الرجل القبر والجمل القدر).
وثانيا في السنة المشرفة أن الأمين جبريل عليه السلام رقى سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم وأعاذه من شر العين حينما قال له يامحكمد : اشتكيت ؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم : نعم قال جبريل :(باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ،من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك ).
كما ان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالاسترقاء من العين روت أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي الله عنها (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين).
من خلال النصوص السابقة ماكان منها في القرأن أو السنة يتبين لنا ان الحسد واقع وحقيقة لا يمكن إنكارها وقدأمرنا الشرع بالسعي في أسباب علاجها.
العنصر الثالث.
علاج العين والحسد.
إن العين حق وضررها يصيب من وقعت عليه ،وعلاج ذلك يكون على النحو الآتي :
١ التوبة ولاستغفار والإكثار من ذكر الله عز وجل.
٢ – الرقية الشرعية وهي بحمد الله مطبوعة ويستطيع المحسود أن يحصل عليها ويقرأ ما جاء فيها.
٣ – التفل والنفث بعد قراءة الرقية الشرعية.
٤ – المواظبة على قراء الأذكار الواردة في سنة سيد الأخيار وهي أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وأذكار دخول البيت والخروج منه والإكثار من قراء القرآن.
٥ – قراءة بعض الأدعية النبوية ومنها : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة وكل عين لامة ومنها : أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ماخلق.
٦ – عدم إخبار الناس بكل ماأنعم الله به عليك.
٧ – اليقين في الله بمعنى ان يقوم المصاب بالحسد بالأخذ في أسباب العلاج مع يقينه بأن الشافي والمعافي والكافي الله منفذا في ذلك قول الله سبحانه :(وإذا مرضت فهو يشفين ).
٨ – تطهير البيت من المعاصي حتي لا يكون مأوى للشياطين وتسكنه ملائكة الله.
هذا والله أعلم