الوصية السابعة من الوصايا القرآنية العشر توفية الكيل والميزان بالقسط والعدل
بقلم : د. عمرو حلمي
أعزائي القراء لقد تناولنا في المقالات السابقة مفهوم الوصايا العشر إجمالا , وأهميتها , والوصية الأولى وكانت عن: عدم الوقوع في الشرك عن طريق اتخاذ آلهة وأولياء مع الله تعالى , والوصية الثانية وكانت عن : الإحسان للوالدين. والوصية الثالثة , وموضوعها عن النهى عن قتل الأولاد بسبب الوقوع في الفقر , والوصية الرابعة من الوصايا القرآنية العشر , وموضوعها عن : النهي عن الاقتراب من العلاقات الجنسية المحرمة سواء كانت علنية أو سرية. والوصية الخامسة عن : النهي عن قتل النفس التي لم تقع في ارتكاب جريمة قتل. والوصية السادسة عن : النهى عن أكل مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن كأن تكون في مقابل رعايته واستثمار ماله.
وفي هذا المقال نستكمل الحديث مع الوصية السابعة وموضوعها عن : توفية الكيل والميزان بالقسط والعدل .
فهذه الوصية تأمر بحُسن التعامل بين الناس؛ والكيل والميزان والمساحة والأطوال أمورٌ أساسية في التعامل اليومي بين الناس، بها تؤدَّى الحقوق، فإذا اختلَّت ضاعت الحقوق، وفشَت السرقة بين الناس، وعمَّت الفوضى؛ لذلك كان ضبطُ الكيل والميزان من الأمور المهمة التي حرَص عليها الإسلام، وأكد ذلك في آيات كثيرة، وبيَّن حال المطففين، وما لهم يوم القيامة، وما ينتظرهم من عقاب، ولأهمية الميزان أخبَر تعالى أنه أنزَله من عنده؛ وذلك للأخذ به، والعمل بمقتضاه.
قال تعالى: {وَأَوْفُواْ الكيل والميزان بالقسط لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}أي: أتموا الكيل إذا كلتم للناس أو اكتلتم عليهم لأنفسكم، وأوفوا الميزان إذا وزنتم لأنفسكم فيما تبتاعون أو لغيركم فيما تبيعون.
فالجملة الكريمة أمر من الله تعالى لعباده بإقامة العدل في التعامل: بحيث يعطى صاحب الحق حقه من غير نقصان ولا بخس، ويأخذ صاحب الحق حقه من غير طلب الزيادة.
والكيل والوزن : مصدران أريد بهما ما يكال وما يوزن، كالعيش بمعنى ما يعاش به.
أي: أوفوا الكيل والميزان بالقسط أي: تامّين.
وهذه الوصية هي مبدأ العدل والتعادل، وكل مجتمع محتاج إليها، فالناس لا بد لهم من التعامل، ولا بد لهم من التبادل، والكيل والوزن هما وسيلة ذلك ، فلا بد من أن يكونا منضبطين بالقسط.
والمجتمعات الأمينة التي لا تجد فيها أحداً يغبن أي يخدع في البيع أو ينقصه في ثمنه-عن جهل أو غفلة ، وهي أيضاً المجتمعات الأمينة التي لا تجد فيها من يحاول أن يأخذ أكثر من حقه. أو يعطى أقل مما يبج عليه.
وقوله :{لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}أي:لا نكلف نفسها إلا ما يسعها ولا يعسر عليها.
والجملة مستأنفة جيء بها عقب الأمر بإيفاء الكيل والميزان بالعدل، للترخيص فيما خرج عن الطاقة ولبيان قاعدة من قواعد الإسلام الرافعة للحرج وذلك لأن التبادل التجاري لا يمكن أن يتحقق على وجه كامل من المساواة أو التعادل، فلا بد من تقبل اليسير من الغبن أي النقص في الثمن أو غيره في هذا الجانب أو ذاك.
وفي الحديث : ” يا معشرَ المُهاجِرينَ، خِصالٌ خمْسٌ إذا نزلْنَ بكم وأعوذُ باللهِ أنْ تُدْرِكوهنَّ: لم تظهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قطُّ حتَّى يُعْلِنوا بها، إلَّا فشا فيهم الطَّاعونُ والأوجاعُ الَّتي لم تكُنْ مضَتْ في أسلافِهم الَّذين مَضَوا قبلَهم، ولا انتقَصوا المكيالَ والميزانَ إلَّا أُخِذُوا بالسِّنينَ وشِدَّةِ المؤنةِ وجورِ السُّلطانِ عليهم، ولم يَمْنعوا زكاةَ أموالِهم إلَّا مُنِعُوا القَطْرَ من السَّماءِ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَروا، ولم يَنْقضوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلَّا سلَّطَ اللهُ عليهم عدُوًّا من غيرِهم، فأخَذَ بعضَ ما في أيديهم، وما لم يَحْكمْ أئمَّتُهم بما أنزَلَ اللهُ وتَخيَّروا فيما أنزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ، إلَّا جعَلَ اللهُ بأْسَهم بينهم”.
فظهور الأمراض والابتلاءات في الأمم نوع من العقوبات التي يضرب الله بها الناس إذا كثر فيهم الفساد والمعاصي والتي من بينها سرقة ما يكال ويوزن عند البيع والشراء , فنتيجة ذلك انتشار الغلاء وقلة الزاد والقوت نتيجة الذنوب والمعاصي , فإذا أردنا أن نحيا حياة كريمة فعلينا بتوفية الكيل والميزان بالقسط والعدل, حتى نحظى بالخير والبركة ورضا الله تعالى في الدنيا والآخرة.
هذا وسنتعرف على الوصية الثامنة من الوصايا العشر , وموضوعها عن العدل في القول ،وهو قول الحق حتى لو كان ضارا بأقرب الناس إليك. وذلك في المقال القادم إن شاء الله.