إقامة الدليل العلمي على معجزة الإسـراء والمعراج
بقلم : د. عمرو حلمي
الإسراء في اللغة : مصدر أسرى وهو سير عامة الليل , ويقال : أسراه وأسرى به , وعلى الثانية جاء القرآن الكريم.
والمراد بالإســـراء في الآية : هو ذهاب الله سبحانه وتعالى بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بإيلياء – القدس – في جزء من الليل ثم رجوعه في ليلته.
والمــعـــراج في اللغة: بكسر الميم – قال ابن الأثير: المعراج بالكسر شبه السلم مفعال من العروج أي الصعود , كأنه ألة له , مأخوذ من عرج يعرج عروجاً إذا صعد , والمراد به المصدر أي العروج.
والمراد بالمعراج في تلك الليلة : هو صعود النبي محمد صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماوات السبع , وما فوق السبع , ثم رجوعه إلى بيت المقدس في جزء من الليل.
زمن الإسراء والمعراج :
الإسراء والمعراج واقع بنص القرآن والسنة والإجماع.
ولكن أهل العلم من المُحدِّثين , والمؤرخين , ورواة السيرة العطرة , اختلفواْ في السنة وفي الشهر الذي وقع فيه الإسراء والمعراج.
فقال البعض : إنهما كانا قبل الهجرة بسنة , وإلى هذا ذهب الزهريُّ, وعروة بن الزبير , وابن سعد , وادَّعى ابن حزم الظاهري الإجماع على هذا.
وقيل : قبل الهجرة بسنتين. وقيل : بأكثر من سنتين.
والذي عليه المحققون أن الإسراء والمعراج كانا في شهر ربيع الأول.
وقيل : في شهر ربيع الآخر.
وقيل : في رجب , وهو المشهور بين الناس اليوم.
الحكمة من الإسراء
كان حدث الإسراء والمعراج بعد الدعاء نتيجة لجفوة أهل الأرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم , ونتيجة لفقد النصير, ونتيجة لفقد الحامي , فالله سبحانه وتعالى شاء أن يجعل لرسوله صلى الله عليه وسلم هذه الرحلة العلوية حتى يثبت له تكريمه , وحتى يثبت له أن في الله سبحانه وتعالى عوضاً عن كل فاقد , وأن الملكوت سيحتفي به حفاوة تمسح عنه كلّ عناء هذه المتاعب , وسيعطيه شحنة قوية لتكون أداته في منطقه الجديد بإذن ربه سبحانه وتعالى.
سمع الله ضراعة رسوله صلى الله عليه وسلم وأرادت مشيئته تعالى أن يبين له جفاء أهل الأرض , ولكن لا يعني ذلك أن السماء تخلت عنه , فالله سبحانه سيعوضه عن جفاء عالم الناس بعالم الملأ الأعلى , وَسَيُرِيُه من آياته , ومن قدرته , ومن أسراره في كونه ما يعطيه طاقة وشحنة.
وأنَّ الله تعالى الذي أراه هذه الآيات قادر على أن ينصره ولن يتخلى عنه , لكن الله سبحانه تركه للأسباب , ليجتهد فيها حتى يكون صلى الله عليه وسلم أسوة لأمَّتِه في ألا تدع الأسباب وترفع أيديها إلى السماء.
حكم الإيمان بالإسراء والمعراج:
واجب لأنه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ومنكره كافر لإنكاره أمراً معلوماً من الدين بالضرورة.
والإسراء كان في اليقظة لا مناماً وكان ببدنه وروحه.
والدليل على هذا: قوله سبحانه : {سبحان الذي أسرى بعبده} , فالتسبيح إنما يكون عند الأمور العظام , فلو كان مناماً لم يكن فيه كبير شيء , ولم يكن مستعظماً ولما بادرت كفار قريش إلى تكذيبه صلى الله عليه وسلم , ولما أرتد جماعة ممن كان قد أسلم.
وأيضاً : فإن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد , وقد قال سبحانه :{أسرى بعبده} , وقال تعالى : {ما زاغ البصر وما طغى} والبصر من آلات الذات لا الروح.
وأيضاً : حمل النبيًّ صلى الله عليه وسلم على البراق وهو دابة بيضاء لها لمعان , وإنما يكون هذا للبدن لا للروح , لأنها لا تحتاج في حركتها إلى مركب تركب عليه.
الإســــــراء معجزة حسية والمــعـــراج معجزة غيبية
كان الإسراء معجزة حسية من الممكن إقامة الدليل عليها :
لأَّنَّه في حاجة إلى مسافة بين المسجدين وهي معلومة محسوسة , وفي الإسراء خرق لقانون الزمن والمسافة.
ووصف المسجد من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرفه قبل ذلك وحديثه عن أمارت الطريق من أهم أدلة العقل على وقوع الإسراء.
وأما المعراج فليس في حاجة إلى دليل مادي مشاهد
لأنَّه أمر غيبي سماوي فهم لم يصعدواْ إلى السماء قبل ذلك ولم يرواْ سدرة المنتهى ولا يعرفون الطريق إليها.
فكان حادث الإسراء مقدمة إيناسية للمعراج , فالذي خرق للنبي صلى الله عليه وسلم قانون المسافة فيما نعلم , قادر على أنْ يخرق له قانون العلو فيما لا نعلم.