المكتبة الرقمية استجابة لِثَوْرَة تِكْنُولُوجِيَّة مُتَكَامِلَة شَاملة
حنان عبد القادر
يَتميز العَصر الحَالي بِمَجْمُوعَة من الخصائص، أهمها أنه عَصر اَلتَّقَدُّم وَالثَّوْرَة اَلتِّكْنُولُوجِيَّة، والتي مِن شأنِها أن تُغِير بِشكل جَذري اَلطَّرِيقَة التي نعيش بِها ونعمل ونتواصل مع بعضنا البعض. سَيكون اَلتَّحَوُّل مُخْتَلِفًا عن أي شَيء شهدته البشرية من قَبل. نَحْنُ لا نَعرف حَتى الآن كَيف سَتتحَول قُدْرَة الإنسان على الإبداع والتطوير والتعامل مَع اَلتِّكْنُولُوجْيَا الحَديثة. ولكن هُنَاكَ شَيء واحد واضح هُوَ أنه يَجب أن تَكُون الاستجابة لهذه اَلثَّوْرَة اَلتِّكْنُولُوجِيَّة مُتَكَامِلَة وشَاملة، في جَميع البلدان لأنه أصبح أمراً ضرورياً لا يُمْكِن الغنى عنه، وقد يُؤَدِّي تجَاهله إلى إعاقة جميع اَلْمُؤَسَّسَات وخاصة اَلْمُؤَسَّسَات التربوية أو على الأقل يُبْقِيهَا أقل تقدماً مِما يُمْكِن أن تَكُون عَليه، وخَاصة بَعد استخدام مفاهيم تِكْنُولُوجْيَا التعليم في التربية وبَرامج التدريب في جَميع أنحاء العَالم والذي أدى إلى ظُهُور مُمَارَسَات وأنماط تعليمية جديدة قائمة على استخدام اَلتِّكْنُولُوجْيَا الحَديثة والمواد التعليمية اَلْمُتَّصِلَة بها وَظُهُور العَديد من اَلْمُسْتَحْدَثَات مِنها اَلتَّعْلِيم الإلكتروني، التعليم عن بُعْد، المكتبة الإلكترونية، المكتبة الرقمية، المتحف الإلكتروني، مُؤْتَمَرَات الفيديو، النشر الإلكتروني.. وغيرها.
ولقد حَقق الإنسان عَلى مَدى اَلْعُصُور المَاضية تطوراً هائلاً والقَادم هُوَ المَزيد في مَجالي التقنية والاتصالات ومن اَلْمُؤَكَّد أن لذلك انعكاساً واضحاً في جَوانب الحَياة اَلْمُخْتَلِفَة سواءً الاقتصادية أو السياسية أو التربوية، حَيث أصَبح الحَاسب الآلي جُزْءًا أساسياً من حَياة الإنسان اليَومية، حَيث أن المَرحلة التي يَمُرّ بِها قِطاع المَعلومات في الوقت الحالي تُشْبِه إلى حَد كَبير مراحل سَابقة مَر بها هَذا القِطاع على مدار الزمن، مِنها مثلاً مَرحلة الانتقال من تَسجيل المعلومات على ألواح طِينية أو عِظام إلى تسجيلها على الورق، ومِنها الانتقال من المعلومات المكتوبة بِخط اليد إلى المعلومات المطبوعة، ومنها كذلك الانتقال من اَلْمُعَالَجَة اليَدوية للمعلومات إلى مُعَالَجَتهَا اعتمادا على الحاسوب، وها نحن الآن في مرحلة الرقمية وشبكات الاتصالات، إنها مرحلة الانتقال من المعلومات الرقمية المحلية محدودة التوزيع إلى المعلومات العالمية واسعة الانتشار. حيث يُعْتَبَر مُوَاكَبَة التطورات الحادثة في تِكْنُولُوجْيَا المعلومات هو أهم التحديات التي تجابهها الدول لتحقيق اَلتَّغَيُّرَات الاجتماعية والاقتصادية اللازمة حتى تَلحق هَذه الدول بقاطرة التقدم وَتُحَقِّق أهدافها من خطط التنمية.
وَتُعَدّ المَكتبات من الجِهات التي استفادت مِن هَذا التطور اَلتِّقْنِيّ الهَائل حَيث تم الانتقال من المكتبة التقليدية إلى مراكز مصادر التعلم ثم ظهرت المكتبات اَلْإِلِكْتِرُونِيَّة، المكتبات الرقمية، والمكتبات الافتراضية نتيجة للتطور العلمي اَلْمُسْتَمِرّ، والسعي من قِبل اِخْتِصَاصِي المَكتبات والمَعلومات في إِيجَاد واستخدام وتَطبيق وسائل ووسائط جَديدة تُسَهِّل وَتُسَاعِد في الوقت نفسه على تَقديم خدمات مكتبية ومعلوماتية مُنَاسِبَة وَمُتَطَوِّرَة لِلْمُسْتَفِيدِينَ، ففي إطار مُجْتَمَع المعلوماتية، أصبحت الثقافة المعلوماتية مطلباً مُهِمًّا لِكُلّ فَرد فيه، وبما أن المدارس والمعاهد والجَامعات هي اَلْمَسْئُولَة عن بِناء هَذه الثقافة، بات لِزاماً عليها مُوَاجَهَة اَلتَّحَدِّيَات اَلشَّامِلَة وما يَنْجُم عنها من تَغْيِيرَات في مُحْتَوَى الثقافة التي يَنهل مِنْهَا طَالب العِلم، أي أن على مُؤَسَّسَات التعليم أن تُعِيد اَلنَّظَر في مَفهوم طُرُق ووسائل التعليم عُمُومًا، وتتفاعل مع التطورات اَلْمُتَلَاحِقَة في مجال الاتصالات وتَسعى إلى تحويل المكتبات التقليدية إلى مكتبات رقمية وان تَكَوُّن فُرَص اَلْوُصُول لها مُتَاحَة لجميع الطلاب والباحثين وأن تتيح لهم الدخول إليها وتصفح محتوياتها، ونقل المعلومات منها، مما يَترتب عليه سُرْعَة في التعلم وإجراء البحوث، وتقليل اَلْجُهْد المبذول في تنفيذها.
وقد ظهر مَفْهُوم المكتبة الرقمية نظراً لاعتماد هَذه اَلنَّوْعِيَّة من المكتبات على استخدام الحاسب الآلي ووسائل الاتصال الحديثة في التعامل مع مصادر المعلومات، وعدم الرضا عن الأسلوب التقليدي في معالجة البيانات داخل المكتبة سواء كان ذلك من حِفظ أو استرجاع للمعلومات أو اَلْوُصُول إلى اَلْبُحُوث اَلْمَنْشُورَة وظَهر طَرِيق بديل لِلْمُعَالَجَةِ والتي من خِلالها يُمْكِن حِفظ واسترجاع المَعلومات سواء كانت في كُتُب أو دوريات أو نشرات على مُصَغَّرَات فيلمية والتي أصبحت بَعد ذلك هذه الطريقة أساساً للاسترجاع بواسطة الحاسب الآلي ووسائل الاتصال الحديثة، حَيث تُعَدّ المكتبات الإلكترونية قاعدة بيانات واسعة للمعلومات من وجهة نظر المعلوماتية وشكل من أشكال التطبيقات العملية من وجِهة نَظر اَلْمُتَخَصِّصِينَ بِتِكْنُولُوجْيَا النص الإلكتروني، فهي التي تَقتني مَصادر معلومات رقمية، سواء اَلْمُنْتِجَة أصلا في شَكل رقمي أو التي تَم تحويلها على الشكل الرقمي (اَلْمُرَقَّمَة)، وتجري عمليات ضبطها ببلوجرافياً باستخدام نِظام آلي، وَيُتَاح الٌولوج، الٌوصول إليها عن طَريق شبكة حاسبات سواء كانت محلية أو موسعة أو عبر شبكة الإنترنت، وهى أيضاً تحتوى على مجموعات كبيرة من مصادر المعلومات الرقمية التي تخضع لعدد من المعايير، ويتم البحث عنها واسترجاعها من خِلال بيئة رقمية تٌيسر للمٌستفيدين من طلاب وباحثين الوصول إلى احتياجاتهم.
وَتُقَاس جَودة المَكتبات بِحجم المعلومات التي تُوفرها وطَريقة إتاحتها، وفي عَصر تقنية المعلومات يَعتمد نِظام المكتبات على الشبكات وخدمات الاتصال اَلْمُبَاشِر، التي لا تُتِيح فَقط لِلْمُسْتَفِيدِ مَداخل اَلْمَعْلُومَات فحسب، بل تتعداه إلى مداخل المكتبات المحلية والعالمية للإفادة من المعلومات التي تحتويها، وتسير المكتبات في خُطَطهَا اَلْمُسْتَقْبَلِيَّة نَحو تِقْنِيَّة اَلْمَعْلُومَات، التي تُزَوِّد اَلْقِيَادَات بأساليب اَلتَّخْطِيط والتقييم الآلية، وتَعمل تِلك اَلنُّظُم الآلية على اَلرَّبْط بَين المَكتبات ومَراكز اَلْمَعْلُومَات، لتكون بذلك بيئة معلوماتية من شأنِها الرقي بِمُسْتَوَى الخِدمة المعلوماتية اَلْمُوَجَّهَة للباحثين وَالْمُسْتَفِيدِينَ، دُون قُيُود أو شٌروط، وتوفير التقنيات اللازمة لتَلبية احتياجاتهم الفِعلية مِن المعَلومات، وتَدريب العَاملين على العَمل في النِظام التِقني، ويٌمكن للمكتبة التي تٌستخدم قواعد المعَلومات، وتَربط خَدماتها بِشبكة المعلومات والإنترنت، أن تَربط فهارسها على الخَط المبٌاشر بالمكتبات الجامعية الأخرى، إضافة إلى ذلك يٌمكنها أن تٌفيد من أدوات تَقنية المعلٌومات المٌتاحة كتصوير الوثائق، وتقنيات وبرمجيات الشَبكات المحلية، وإحلال الدوريات الإلكترونية بَعض المٌشكلات التي تٌعاني مِنها المكتبات والمتٌعلقة بإدارة الاشتراكات في الدوريات التقليدية.
عزيزي القارئ قد تَقف البِنية اَلتَّحْتِيَّة للمعلومات عَائقاً أمام تَقَدُّم بَعض الدول في مَجال اَلنَّشْر اَلْإِلِكْتِرُونِيّ، فيجب الاهتمام بِها أولا. وكذلك الاهتمام بالتعليم وَفُرَص الاستثمار، مع الأخذ في الاعتبار إتاحة التقنيات اَلْمُتَقَدِّمَة والبرمجيات للدول التي تحتاجها، وإشراك جميع الدول في برامج البحث والتطوير العالمية في مجال تقنية المعلومات، كما يَجب تَحْدِيد الجِهات وَتَوْزِيع الأدوار وتحمل اَلْمَسْئُولِيَّات في مُجْتَمَع المعلومات بين الأطراف المعنية وهي اَلْحُكُومَة، والقِطاع الخَاص وَالْمُجْتَمَع المدني، والجِهات المَانحة وَالْمُجْتَمَع الدولي، وَمَسْؤُولِيَّة كُلّ جِهة في غَرس بذور مُجْتَمَع المعلومات. فَتِكْنُولُوجْيَا المعلومات والاتصالات إذا أُحْسِن استخدامها ووضعت مَسْئُولِيَّة تطويرها في أيد قِيادات تُقَدَّر العمل بِالتِّكْنُولُوجْيَا بَل وَتُجِيد استخدامها وتجيد اختيار الفريق المناسب، يُمْكِن أن تُحَفِّز استخدام الموارد اَلنَّادِرَة وَتُسَاعِد على التغلب على اَلْمُعَوِّقَات وتدعم الزيادة في سُرْعَة التنمية، وخاصة إذا توفرت للمدارس والجَامعات الموارد اللازمة لتخريج مُهَنْدِسِي وَمُبَرْمِجِي تِكْنُولُوجْيَا المعلومات والاتصالات وَمُنَفِّذِي اَلْمُحْتَوَى وَالْمُبْتَكِرِينَ، ولن يحدث ذلك الا من خلال الاهتمام بتدريس هذه المواد داخل اَلْفُصُول الدراسية بل وأهم من ذلك تدريب اَلْمُعَلِّمِينَ عليها أولاً والاهتمام بالمعلم مادياً ومعنوياً.. وللحديث بقية،،